Monday, February 26, 2007

ضرورة الفلسـفة

" إن علينا أن نتفلسف إن كان ثمة ما يدعو إلى التفلسف فإذا لم تكن هناك حاجة إلى التفلسف وجب علينا أن
نتفلسف أيضا بنثبت أن التفلسف لا ضرورة له " ... ( المعلم الأول أرسطو384-322 ق.م)
***
" إن قصد الفلاسفة إنما هو معرفة الحق, و لو لم يكن لهم إلا هذا القصد لكان ذلك كافيا فى مدحهم " ( أبو الوليد إبن رشد1126-1198م) ..
***
" ليست هناك علامة أقوى دلالة على حقارة عقل من العقول و غبائه الأصيل من احتقاره الفلسفة , مهما كان من قوة هذا العقل فى ميادين النشاط العملى , و لقد يكون شخص ما قادرا أعظم القدرة فى الرياضيات أو فى الهندسة أو فى الأساليب البرلمانية أو فى السبق فى إخراج الكتب و لكن هذا الشخص إذا تفكر فى هذا الكون مدى حياته و لم يسأل نفسه : ماذا يعنى ذلك كله, فإنه أحدأولئك الذين وضعهم "كلفن"حين قسم الناس فى فصيلة من كتب عليهم الشقاء الأبدى!" ( جورج برنناندشو 1856-1950)
***
مثلما أننا فى تراثنا الشعبى نرفع عن كاهلنا كل مسؤولية حين نقول أن الباب الذى يأتى منه الريح يجب ان نسده و نستريح و أن الشر علينا أن نبعد عنه ثم نغنى له , فإننا كذلك لا نحمل عقولنا أدنى تكليف , و نستعيذ فى الصباح و المساء من سوء حال من يشغل البال مؤمنين بالقول القائل " الى يفكر يتعكر "!
و عندنا عبارة يحفظها فينا الكبير و الصغير و الجاهل و العالم , و لا نشبع من ترديدها فى الحق و الباطل و فى الجد و الهزل , إنها عبارة "بلاش فلسفة"! ..
و أمة مثلنا , تردى بها الحال لتقبع فى الذيل , سليبة الحضارة,خافضة رأسها , مادة أيديها للأمم الراقية من حولها "إعطونى خبزا , إعطونى علما , إعطونى خبرة , إعطونى فنا , إعطونى .. إعطونى ... " دون أن تعطى هى شيئا .. فلم يعد لديها شيئا . أقول أن أمة كهذه لابد و أن يكون إعمال العقل و تدبير الفكر فيها ترفا أو لهوا .. لابد و أن تنبذ عقلائها فهم فى تصورها دعاة هرج و مرج , و قلق و أرق , يريدون أن ينزلوا النوم عن سلطانه , يدخلوا النور و يشعلوا النار فى المضاجع الأمنة المطمئنة !
صحيح أن لهذه الأمة نفسها ماض عريق و تراث زاخر و حضارة مطمورة , عاشت بها و على هداها و فوق خطاها أمم عديدة .. صحيح أننا خضنا فى الفكر و العلم بحورا , و بنينا به و له صروحا و قصورا , و ملأنا الأرض فى أزمنة الغروب نورا .. و لكننا اليوم قرن أخرون , قنعنا أنه ( ليس فى الإمكان خير مما كان) و صار ماضينا نصوصا تحفظها الكتب , نفتحها و نتلو عليها صلوات الحسرة , و نرقى أنفسنا من عين الغرب ذلك(المتآمر الاذلى) الذى يتربصنا !
و إذا كنا نريد اليوم أن نفتح صفحة أخرى , أن ننهض بعد طول رقاد .. فالسبيل لذلك لن يبدأ إلا بأن نغير موقفنا من التفكير و أدواته و أن نعيد للعقل فى حياتنا مكانته المسلوبة و التى احترمها الإسلام العظيم و كفلها قرآن السماء , فالتفكير كما يقول الأستاذ العقاد" فريضة إسلامية". و التفكير ملكة لا يستقيم دين المؤمن إلا بها و لا يصح أن يعجبنا إيمان رجل قبل أن نسأل عن عقله .
إننا فى حاجة لمراجعة طرائقنا فى التفكير ..و كيف أننا أهملنا تربية العقل الناقد و أعتمدنا على النقل الأعمى و ثقافة القمع بدلا من الحوار البناء و المناقشة و استنفذنا الطاقات فى أساليب التلقين البائته التى لا تقدم و لا تؤخر فكانت النتيجة أن نصاب بعقم شبه كامل فى كل الأنشطة الإبداعية و نتوقف عن إنتاج حضارة تخصنا بينما هبت الأمم كلها من حولنا تتصارع على النهوض و تتسابق فى الرقي .
و الفلسفة , بما تتيحه من مناخ للتفكير الحر و ثراء فى الطرائق و مناهج البحث هى خير مربى لهذا العقل الناقد الحصيف , القادر على إستيعاب مشاكل المجتمع من حوله إستيعابا إيجابيا يؤدى به فى النهاية إلى إنتاج طاقة إبداعية حية تضيف و تخلق الجديد فى مختلف الأنشطة . والأصوات التى تناصب الفكر الفلسفى العداء و تحجر على العقل الإنسانى الذى هو أغلى نعم الله إلينا , و تقف أمام كل محاولة لمراجعة الأفكار الراسخة أو فحصها فى ضوء معارفنا الجديدة لا يمكن أن تصلح للبقاء فى عالمنا اليوم .. هذا العالم الذى يأتى كل لحظة بجديد . لا يمكن أن تصمد باقيه بعدما إتضح عجزها و تهافتها , فنحن سرنا ورائها مئات السنين و قلنا مع القائلين " من تمنطق فقد تزندق " و أغلقنا النوافذ و الأبواب و أرخنا الغشاوة فوق الأبصار فما كان بنا إلا أن نهوى إلى الحضيض و نشرف على الهلاك ..
إن الفكر الفلسفى لا تنضب منابعه و لا تجف روافده و هو قادر دائما على العطاء , باق ما بقى الإنسان وما بقى فى الإنسان عقل يفكر .و هو ليس ترف عقلى بل هو ضرورة للأمم المتخلفة قبل الأمم المتقدمة , بل يمكننا القول و -لا نبالغ - إن الامم المتخلفة , متخلفة لأنها تحتقر الفكر الحر..تحتقر الفلسفة و الأمم المتقدمة متقدمة لأنها تعطى للفلسفة مكانتها فكلما قل نصيب المرء من الذكاء كلما بدا له الوجود أقل غموضا , و كلما بدا التفكير الناقد الذى تمثله الفلسفة خير تمثيل لا حاجة له و لا ضرورة .

No comments: