Tuesday, April 24, 2007

مظاليم هذا الجيل


عندما أقول "نحن جيل مظلوم "فهذه العبارة ترضينا نحن الشباب, لأنها تريحنا و ترفع عن كاهلنا المسؤولية.. فهي الشماعة التي نعلق عليه همومنا و الوسادة التي تنام عليها إرادتنا و الحجة البليغة التي ندمغ بها يقظة ضميرنا.. و لأننا معها بريئى الذمة ,معفيين من الحساب ,مشكوريين على طول الصبر .. فليست معاناة هذه الأمة من فعل أيدينا و لا كانت ذنوبها فى رقابينا بل نحن الذين ولدنا لنجد رقابنا ترسف فى أطواق للفقر و الجهل هى من صنع الأباء .. و الذى يلوم علينا يظلمنا مرة أخرى , و الاولى به ان يواسينا أو يتأسى بنا و يتعلم الصبر و طولة البال
و لكن الحقيقة كعادتها مرة .. و الحقيقة أننا نحن الذين نظلم أنفسنا بحجة التخفيف عنها و نسارع بتأنيب الأباء و التنديد بزمانهم قبل أن تشير أصابع الإتهام إلينا
لقد كنا نفضل أن نولد و قد سبقتنا إلى الوجود إيات الدعة و أطايب الرخاء و لا عيب فى ذلك .. و لكن العيب الكبير فى أن نتنصل من مسؤوليتنا أمام أنفسنا و نذبح أحلامنا قربانا لراحة بالنا و نقرر الإنسحاب المبكر من الحياة بالرغم من أنها تحيا فينا فنكون كموتى حكم عليهم بالحياة أو كفراغ شغل حيزا فى الوجود
إن البكاء على أطلال الماضي لن يقدم و لن يؤخر , فالماضى لا يعود لا بالبكاء و لا بغيره و لكن المستقبل هو الذى ترسمه أحلامنا و تخطط له عقولنا و تصنعه أيدينا , وأيدينا لن تكون جاهزة للعمل طالما ظللنا نشير بها إلى أباءنا مرددين فى صوت واحد " أنتم السبب"! ... و عقولنا لن تقوى على التخطيط طالما ظل السخط الذى لا يتجاوز نفسه و لا ينتظر شيئا من بعده هو ديدانهاو أحلامنا لن تقوى على البقاء للحظة , فسوف تقتلها خنقا رائحة اليأس الكريهة
أننى أعرف مدى الملل الذى بات يثيره الحديث التقليدي عن "المعجزة اليابانية " أو " المعجزة الألمانية " و أعرف أيضا أننا سمعناه كثير و لم نتعلم شيئا .. و لكن أحد لا يستتطيع أن يغفل هذا الحديث إذا كان بصدد الشكوى من فتور العزيمة و هزالة الإرادة
فشباب ألمانيا و اليابان بعد نهاية الحرب الكبري عرف ما هو الحضيض و كيف يكون العيش على الحديدة و كيف تصبح الحياة ظلام دامس لا تسكن الأجواء بارقة نور ..و لكن النور الذى عاش فى قلوبهم لم ينطفىء, فقد غمرهم الأمل و احتضنهم حلم النهوض بعد ضربة الإنكسار الرهيبة مع أن هذا الجيل كان من حقه أن يصب كل اللعنات فوق رؤوس أباءه , كان من حقه أن يعيش عمره كله و هو يصرخ رثاءا على أمته التى سقطت فى حلم البصر بعد طول علو .. و لكنه لم يفعل ذلك , فكتم الصراخ فى قلبه و حبس الدموع فى عينيه و راح ينشد نشيد الأمل و ينثر بذور الخير و أعلن على نفسه السخرة , سخرة الأيادى و العقول و الأقلام من أجل الإصلاح و البناء و لأول مرة نرى المستحيل على أرض الواقع لحما و دما و مصانعا تقف شامخة فى " طوكيو" و "فرانكفورت" و "برلين" بعد أقل من عشرين عاما ! و يقف العالم مشدوها , يحنى الرؤؤس و يرفع القبعات لهذا الجيل العظيم
فإذا كان أباء هذا الجيل فى ألمانيا و اليابان قد تركوا لأبنائهم الخراب المحض ثم كان من أبنائهم أن فعلوا ما فعلوه .. فخير لنا أن نقبل رؤوس أبائنا لأجل ما فعلوه من أجلنا و نقول فى نفس واحد " نحن جيل محظوظ!" ثم ننتبه للمستقبل الذى يمتد فى الأفاق منتظرا .. و حتى يأتى من بعدنا جيل يفخر بنا بدلا من أن يلعنا



فى العلمانية "1"

من الصعب مناقشة الذين يقفون ضد العلمانية وفصل الدين عن الدولة من التيارات الإسلامية المتشددة. فهؤلاء يرفضون العلمانية لسببين رئيسيين:السبب الأول هو ديني دوغمائي يستند إلى الموروث الإسلامي الكلاسيكي، هذا الموروث الذي يمتد إلى أربعة عشر قرناً، وظل محافظاً على نصيته وتقليده. بل حمل معه خلال التاريخ الكثير من الخرافات الفكرية والتجربة الدموية.تبدأ هذه الدوغمائية الدينية من فكرة أساسية تعود إلى بدايات الحكم الإسلامي، وهي أن كل شيء خارج الإسلام هو جاهلية، ويجب القضاء عليه وإزالته في سبيل انتشار الإسلام وتوسعه. فالعالم كله مباح أمام الدين الجديد، لأن الله يريد ذلك(وما خلقنا الإنس والجن إلا ليعبدوا). وكانت كلمة الفصل تعود إلى القوة والسيف. و سميت كل الغزوات الإسلامية، ونهب الشعوب واستعبادهم(جعلهم موالي) وسبي النساء جهاداً في سبيل الله.إن هذه الطائفة من المسلمين يجدون في السلف قدوتهم، بل يؤمنون بالله من خلالهم. ولهذا يرفضون كل المفاهيم القادمة من خارج ما قاله هذا السلف، بل يعتبرونه كفراً وزندقة، يجب رفضه دون التفكير فيه، أو الحوار عليه. بل محاربة حامليه محاربة جهادية للوصول إلى رضا الله.أما السبب الثاني فهو استخدام الإسلام كوسيلة لتحقيق واقع اقتصادي واجتماعي وثقافي يصبح فيه هؤلاء أولياء الأمر على الناس بما يتعلق بدنياهم وآخرتهم. وهنا تكمن جوهر المصالح الدنيوية حسب اعتقادهم. وهذا ما كان عليه خلفاء المسلمين وسلاطينهم منذ تشكيل الدولة الإسلامية.إن النقاش مع هؤلاء حول العلمانية وفصل الدين عن الدولة سيكون من باب السفسطة. فهم يعيشون في الفكرة التي تراكمت في دماغهم، وفي التاريخ الذي يجب إحياءه بكل الوسائل، دون أية التفاتة إلى تطور البشرية خلال أربعة عشر قرناً، وما فرض هذا التطور من مستلزمات موضوعية تتعلق بحياة الناس. صحيح أن خلفاء المسلمين شذو عن الإسلام الرسولي في حياتهم الخاصة وفي أسلوب إدارتهم للإمبراطورية الإسلامية. ولم يكن هذا الانزياح دلالة على النقص في إيمانهم، بقدر ما كان نتيجة تطور الحياة التي فرضت ما لم يكن يخطر على بال الرسول، ولم يرد ذكره في القرآن نفسه، رغم كل براغماتية المفسرين. ومن ناحية أخرى فقد دل هذا الانزياح أن الإسلام من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية ليس لكل زمان ومكان كما يدعون. الملفت للانتباه أن هذا الخروج عن الإسلام الرسولي لم ترافقه مقدمات فكرية كما حدث لكل النظريات العامة في المراحل المختلفة من تطور البشرية. بل ظلت عباءة الإسلام الأوصولي الوسيلة الناجعة لتحقيق الغايات الدنيوية، وتعزيز سلطة الدولة، وبالتالي سيادة التشدد الدموي أسلوباً لتحقيق مختلف المآرب الدنيوية والأخروية.من هنا تبرز جاهزية التطرف المفرط لغالبية التيارات الدينية الإسلامية. وخاصة التطرف السياسي والفكري، حيث لا نجد عند هذه التيارات أية قيمة للإنسان وللإنسانية خارج مفاهيمها الدينية والسياسية. ولعل هذا ما يفسر متعة ممارسة الإرهاب عند نماذج مثل ابن لادن والظواهري والزرقاوي، وكل من على نماذجهم.أعتقد أن تماهيهم مع الفكرة المتسلطة على دماغهم، جعلهم يفقدون الحس الإنساني الطبيعي، والشعور بآلام الناس الدنيوية. فنجد لديهم الاستعداد للدوس على رقاب البشرية كلها في سبيل تأمين الجنة الموعودة والحوريات الحسان. ولا يمكن أن يفهم التضحية بالنفس(نماذج الانتحاريين) في هذه الحالة، والتي يسمونها استشهاداً، خارج الأنانية المفرطة. لأن هذه التضحية لا تأتي من أجل الإنسان، أو من أجل المعذبين على الأرض، بل هي من أجل شراء الجنة من الله الذي يبيعها بالعبادة والجهاد في سبيله.نعم..لا قيمة عند هؤلاء للعالم الواقعي المحيط بهم بكل مكوناته، بل كل القيمة للعالم الذي يجب أن يكون حسب تصورهم. أقصد أنهم يعتبرون ما هو موجود في دماغهم أسمى من البشرية والإنسانية كلها.لا أرى أي مستقبل للعلمانية مع هذه التيارات في العالمين الإسلامي والعربي، ومن المستحيل إقامة حوار موضوعي معهم كما سبق القول، فهم لا يتحاورون، بل يأمرون وسكاكينهم فوق الرقاب. وللأسف مازالت لديهم قاعدة شعبية واسعة، نتيجة التخلف والموروث وانتقائية التعامل مع العلم والحضارة واستبدادية الأنظمة الحاكمة. وأهم من ذلك كله انتشار البطالة الواسعة والفقر بين صفوف الشبيبة، إلى جانب استحكام الحكام الطغاة الأبواب في وجه نسمات الديمقراطية وحرية التعبير.لقد كانت هذه التيارات عبر التاريخ كارثة للشعوب، وهي التي منعت أو أخرت خروج الشعوب إلى النور والحرية والتقدم. ولم يتم الانتصار عليها في أوروبا إلا بعد ثورات كبرى وأنهار من الدماء. وللحقيقة أن الخوف من هذه التيارات هو الذي يتحكم في فكر المثقفين والمفكرين في العالم الإسلامي. هذا الخوف الذي يجعل أفكارهم تظهر وتختفي على ضوء شدة ومرونة تلك التيارات الإسلامية. وهنا يظهر الفرق بين مثقفينا ومفكرينا مقارنة مع زملائهم الأوروبيين. وبالتالي نقف وجهاً لوجه أمام الجانب الثاني من المشكلة الكبيرة التي تعاني منها شعوب العالم الإسلامي؛ أقصد مشكلة التيارات العلمانية والمثقفين العلمانيين والتقدميين واليساريين...الخ لا أعتقد أن هناك خلافاً معرفياً كبيراً حول مفهوم العلمانية لدى ساسة ومثقفي العالم الإسلامي الذين يدعون التقدمية واليسارية والعلمانية. بل يكمن الخلاف في قضيتين. الأولى أن العلمانية جاءت في الغرب نتيجة تطور اقتصادي واجتماعي وفكري، وبعد كفاح مرير قاده المثقفون والساسة الأوروبيون، وبعد التضحيات الجسام للشعوب الأوروبية تحت راية الحرية والعدل والمساواة. أما العلمانية التي نتكلم عنها في العالم الإسلامي، فهي توق الفئات الواعية الديمقراطية والليبرالية ومنظمات المجتمع المدني، بهدف الخروج من التخلف والفقر والاستبداد الموروث والجديد. ولهذا كانت وراء العلمانية الغربية قوة اقتصادية واجتماعية وفكرية تراكمت من خلال الصراع مع النظام الإقطاعي والاستبداد الديني. وكان حامل راية العلمانية قوة ثورية حقيقية، غير مترددة، وقدمت أنهاراً من الدماء. أما القوى التي وراء الدعوة للعلمانية والديمقراطية في العالم الإسلامي، فهي بعض النخب الثقافية والسياسية، وبعض القوى الاجتماعية الضيقة. بينما الواقع الاقتصادي والاجتماعي العام والموروث الثقافي فهو ضد العلمانية، وضد الديمقراطية وحرية الكلمة. وهذا ما يفسر تلازم الأنظمة هنا مع الاستبداد، وبروز الحاكم الفرد، واستمرارية بقائه في الحكم، والتوريث أحياناً دون أي اعتبار للمفاهيم الإنسانية وقيم الحضارة المعاصرة.إن تبني بعض هذه الدول لفكرة العلمانية مسألة شكلية وتكتيكية، ولا علاقة له بجوهر العلمانية ومتطلباتها الموضوعية. فلو أخذنا الجانب الاقتصادي لهذه الدول التي ادعت العلمانية بهذا الشكل أو ذاك، مثل سوريا والعراق(في عهد صدام) ومصر(في عهد عبد الناصر). نجد أن القطاع الاقتصادي العام الذي كان من المفروض أن يكون أرضية لانتعاش العلمانية، كقطاع اقتصادي خارج الموروث، تحول إلى قاعدة اقتصادية واجتماعية لاستبداد الحاكم ونظامه الشمولي. بل صار مع الزمن مصدراً أساسياً استمد منه الحاكم قوته واستمرارية بقائه الأبدي في الحكم. أما من الناحية الاجتماعية فقد تحولت الطبقة العاملة في هذا القطاع إلى قطيع للحاكم، وأصبحت نقاباتها القوة الضاربة بيده، إلى جانب الجيش وسلك البوليس بأنواعه، ليستخدمها ليس ضد معارضيه السياسيين فقط، بل كذلك ضد عامة الشعب، وضد أية فكرة للإصلاح و التغيير.أريد القول أن تجربة القرن العشرين كشفت أن تبني العلمانية لوحدها لا تحل مشكلة الاستبداد، ولا سيما في المجتمعات المتخلفة اقتصادياً واجتماعياً. فقد كان الاتحاد السوفييتي ومنظومته الاشتراكية حكومات علمانية، وفي الوقت نفسه كانت هذه الأنظمة شمولية وتستخدم القمع في التعامل مع الشعب والمعارضة، وابتعدت عن الديمقراطية على الصعيد الفكري والسياسي والإعلامي. وكانت الدول التي سميت بالتقدمية أو التوجه الاشتراكي في "العالم الثالث" أيضاً دولاً تدعي العلمانية، مثل سوريا والعراق ومصر وكمبوديا وإثيوبيا هايل مريام وصومال البري، لكنها كانت دولاً تمارس أنظمتها القمع المنظم وحتى جرائم ضد الإنسانية يندى لها الجبين.لقد هاجم الكثيرون بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الايدولوجيا، وكان في هذا الهجوم شيء من الحقيقة والكثير من الأباطيل. إلا أن التجربة السوفييتية كشفت أن الأنظمة الايدولوجية, مهما كانت خلفيتها الفكرية عادلة وإنسانية، فهي سرعان ما تنزلق بعيداً عن الشعب، وتتحول إلى ممارسة الاستبداد اليومي. فالدولة الايدولوجية تستخدم الوعي المنظم لإجبار الناس للسير في مسار مرسوم مسبقاً. وبما أنه لا يمكن إدخال الوعي إلى عقول الناس بالقوة، فقد مارست هذه الأنظمة الاشتراكية وأخواتها في "العالم الثالث" قوة الجيش والبوليس والميليشيات (تحت تسميات ثورية) لتعميم مفاهيمها ووعيها المختار على الناس قهراً, وتحقيق برامجها لا على أساس التأييد الشعبي لها، بل بالقوة. وأدى كل ذلك إلى كوارث اجتماعية واقتصادية وفكرية، وبالتالي تحول الشعب ضد هذه الأنظمة، وأخذ ينظر إلى العامل الخارجي بشيء من الرضا للتخلص من جمهوريات الرعب اليومي.لقد رافقت هذه الحالة في العالم الإسلامي الخصائص الشرقية في الاستبداد الهمجي وسحق إنسانية الإنسان وتحويله إلى حيوان يركض وراء لقمة عيشه من أجل البقاء.كشفت التجربة في العالم الإسلامي أن فكرة العلمانية، لم تكن سوى شعار لا يسعى أصحابها للتطبيق. بل كانت هذه الأنظمة "الثورية" تنطلق من مركزية أخرى، وهي إدراكها بأنها حصلت على السلطة عن طريق الاغتصاب. وبما أن السلطة هي للشعب كما يدعي الجميع بما في ذلك هذه الأنظمة، فقد تكونت لديها القناعة بأن البقاء في السلطة يحتاج إلى استخدام القوة ضده، وتحويل البلد والشعب إلى مستعمرة للنهب اليومي، بحيث أخذ الشعب يترحم على العهد الاستعماري.لقد كان حزب البعث في العراق وسوريا يستخدمان العلمانية في صراعهما الدموي ضد المعارضة الإسلامية، كما كانا يستخدمان الإسلام في محاربتهما للتيار الماركسي.أعتقد من الإسفاف بالحقيقة اعتبار هذه الأنظمة علمانية، بل هي لم تتبن سوى مصلحة الحكم. واستخدمت في سبيل ذلك كل ما كان يحلو لها تكتيكياً؛ من العلمانية والإسلامية والقومية وحتى الأممية أحياناً. لقد كانت هذه شعارات طارئة، تتعلق بالظروف المحيطة بنظام الحكم ومستلزمات بقائه، وكيفية مواجهة الشعب والمعارضة. وللحقيقة فإن اعتبار حزب البعث السوري حزباً علمانياً لم يمنع خروج عدد من قادة الأخوان المسلمين العسكريين من بين صفوف هذا الحزب وشبيبته "الثورية" في الثمانينات، والذين قادوا قتالاً شرساً ضد النظام.غير أن المسألة لا تنحصر في هذه الأنظمة فقط. فالتيارات العلمانية الأخرى، بما في ذلك تلك التي في المعارضة، لم تكن أحسن من هذه الأنظمة، زد على ذلك غالبية المثقفين. أزعم أن من تبنى العلمانية في سوريا(على سبيل المثال) إما كان لأسباب تكتيكية, أو كان يمارس ترفاً فكرياً( نوايا في أحسن الأحوال) لا علاقة لهذا التبني بتجسيد العلمانية في الحياة. ولهذا تميزت التيارات العلمانية، وكذلك المثقفون العلمانيون بالذبذبة والانتهازية(حسب مصطلحاتنا القديمة). لقد كان التيار الماركسي أكثر خوفاً في توضيح موقفه من العلمانية وفصل الدين عن الدولة، مع العلم أنه التيار الوحيد الذي ينتمي إلى منهج فكري وسياسي يدعو إلى ذلك جهراً. وأكثر من ذلك، فالماركسية تعتبر الديانات مسألة تاريخية، لها أسبابها الموضوعية للظهور، كما أنها ستزول في ظروف موضوعية أخرى. عندما أقول أن هذا التيار كان أكثر خوفاً، لا أقصد التكتيك السياسي اليومي، بل أقصد الموقف الفكري. فهذا التيار لم يترك وراءه أي تراث علماني، بل خلف اليوم فصائل رجعية في الكثير من الواقف السياسية والاجتماعية والفكرية، وخرج من بين صفوفها من هو أكثر رجعية حتى من بعض عناصر التيارات الإسلامية السياسية. لقد أصبح الفكر مع الزمن هامشياً لدى هذا التيار، خصوصاً بعد التحالف مع حزب البعث. فكان الحزب الشيوعي الأم ومازالت الفصائل المتشظية عنه تلهث وراء هوامش الأحداث اليومية، دون أية خلفية فكرية ملموسة. بل أعتقد أن أحد أسباب هروب هذه الفصائل من فكرها الماركسي هو معرفتها بأنها تتناقض أساساً في سياساتها الراهنة مع جذورها الفكرية.أما المثقفون والمفكرون السوريون فهم أيضاً لا يختلفون كثيراً في هذه المسألة. فحتى تاريخ اليوم لا يوجد عندنا في سوريا مثقفاً واحداً اعتقل من أجل آرائه الفكرية، بل أن معظم المثقفين الذين يتعرضون للاعتقال والتضييق يحدث نتيجة مواقفهم السياسية. لقد قتل عندنا في سوريا عبد الرحمن شهبندر نتيجة آرائه المتنورة( ومع ذلك كان السبب المباشر سياسياً)، وجرت ضجة كبيرة في الستينيات حول قصيدة جريئة لنزار قباني تتعلق بالمرآة، وكذلك حول كتاب الدكتور صادق جلال العظم( نقد الفكر الديني) بعد نكسة خمسة حزيران عام 1967. وربما كان أحد أسباب مقتل الشيخ معشوق الخزنوي هو رؤيته الدينية المتنورة التي كانت تؤسس لتجريد الحاكم من الاستقواء بالإسلام وجعله مطية لتبرير لا شرعيته. كان يريد تحرير رجالات الدين من أن يكونوا المستشارين الفاسقين لكل ما يمارسه الحاكم الشرقي من الفظائع ضد شعبه ووطنه. ما أريد قوله، أنه لا يوجد لدينا تيار علماني حقيقي في سوريا، بل مجرد نخب تتذبذب بين العلمانية وما تدعي بـ"الأصالة". وغالبية المثقفين لديهم الاستعداد للتخلي عن علمانيتهم عند أي منعطف أو مغريات ما. بل نجد أن مقتل شخصية فكرية مثل حسين مروة ومهدي العامل، القائدين الشيوعيين، لم يحدث أية ضجة لدى العلمانيين العرب، ولدى النظام السوري "العلماني " الذي حدث هذا القتل في ظل وجوده في لبنان. لقد كانت المعطيات الأولية توجه أصابع الاتهام إلى حزب الله، ومع ذلك لم يتظاهر الشيوعيون في العالم العربي احتجاجاً، بل يكيل اليوم العيد منهم ومن العلمانيين في سوريا المديح لهذا الحزب ولفكره الجهادي، بحجة وقوفه ضد إسرائيل.من الطبيعي أن يؤيد الإنسان جهود أية قوة وطنية مهما كانت أيدلوجيتها في سبيل إخراج المستعمر، ولكن ليس على حساب الفكر وحرية التعبير والرأي. لأننا في هذه الحالة قد نبدل الاستعمار بنظام أكثر همجية، مثل نظام بول بوت الاشتراكي العلماني الذي ساد فترة من الزمن في كمبوديا، أو نموذج النظام الخميني الطائفي العنصري.لا أقول هذا الكلام اعتباطاً. فالتيار الشيعي العراقي كان يبدي الكثير من الديمقراطية وقبول الآخر عندما كان في المعارضة ضد صدام حسين. لكنه عندما أصبح في الحكم، سعى بكل قوة لإقرار دستور إسلامي رجعي، وتثبيت ولاية الفقيه. ولولا وجود الولايات المتحدة في العراق وموقف الحزبين الكرديين ومجموعة علاوي، لأقر في العراق دستوراً على شاكلة دستور الخميني.في كل ما قلته وما سأقوله لا أقصد إلغاء أحد، ولا غض الطرف عن الحقائق التي هي على الأرض. إنما أسعى لتشخيص هذه الحقائق التي نتهرب منها خوفاً من المسؤولية ومتطلباتها. فالتيار الماركسي موجود في سوريا رغم انهيار الاتحاد السوفييتي وشيخوخة فصائله. والتيار الإسلامي موجود وله شعبيته. وكذلك التيار القومي بشقيه العربي والكردي، أضف إلى ذلك التيار الليبرالي الذي مازال يحث خطواته الأولى، إلى جانب منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. غير أن هذه التيارات كلها لن تستطيع الحوار الديمقراطي مع بعضها بعضاً، ولن تستطيع إقرار السلم الأهلي والخروج من الواقع الاستبدادي والفكر الاستبدادي المتجذر في جميع خلايا المجتمع، دون إقرار العلمانية وفصل الدين عن الدولة. فالتحالفات التكتيكية لن تحل المشكلة، بل ستدخلنا إلى مرحلة جديدة من الإرهاب والصراع الاجتماعي ألاستنزافي. ليس من حق أي تيار أن يلغي الآخر، لأن في ذلك يعني إعلاناً للحرب، وقد قامت هذه التيارات بما فيها الكفاية من حروب داخلية لم تجلب سوى الكوارث للشعب والوطن. فالعلمانية وفصل الدين عن الدولة لن يضر أحداً، بل سيجعل الجميع ينظرون باحترام إلى حكمة الشعب، وصوته من خلال صناديق الاقتراع. وستدخل كل التيارات الفكرية والسياسية في سباق عادل للاستحواذ على قناعة الشعب وتأييده له. وحتى التيارات الإسلامية التي تتحسس من كلمة العلمانية وفصل الدين عن الدولة، سيكون المجال رحباً لها لممارسة السياسة وحرية الفكر الديني. كما أن قبول هذه التيارات الإسلامية للدستور العلماني سيطمئن التيارات الأخرى بأنها لن تشكل دولة دينية استبدادية. وتستطيع هذه التيارات الإسلامية، في ظل العلمانية، أن تطبق برنامجها العملي إذا أوصلتها الجماهير إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع. أقول برنامجها العملي وليس كما تدعي بعض هذه التيارات بأن القرآن هو برنامجها، فهذه خدعة من أجل إخفاء النوايا اللاحقة للتصرف الكيفي بالسلطة عندما تصير في الحكم. في الختام أريد القول أننا محكومون بالتغيير، فإما أن نقوم نحن بهذه المهمة التاريخية. وفي هذه الحالة ستكون العلمانية وفصل الدين عن الدولة ضرورة موضوعية للجميع، والإطار الوحيد للسلم الأهلي. وإما أن يأتي التغيير من الخارج.

الإنسان و القدر ... كلنا أنت يا سيزيف


كان الأغريق أروع من عبروا عن القدر فى أدابهم و أساطيرهم .. فها هو بطلهم المنكوب "سيزيف" الذى حكمت عليه الإلهه بالشقاء الأبدى , يحمل حجرا كبيرا و يصعد به إلى أعلى الجبل فيسقط الحجر فيهبط "سيزيف" عائدا ليرفعه و يصعد به من جديد , و هكذا إلى الأبد ! ... و لم يكن "تنتالوس " خيرا منه , فقد علقته الألهه على إحدى الأشجار القابعة أمام النهر , و قد فتك به الجوع و العطش فيصعد إليه ماء النهر ليشرب فإذا مد رأسه هبط الماء مرة ثانية فى الحال , و تتدلى غصن الشجرة بتفاحه فإذا مد يده ليقطفها صعد الغصن فى الحال ..و هكذا إلى الأبد ! ... و " أوديب " , ذلك البطل التعس الذى لعب القدر به لعبة شريرة و انتهى به المصير إلى أن يقتل أبيه و يتزوج بأمه دون أن يدرى ! ...و من يقرأ مأسى "سوفوكليس" أو "إيسخولوس" سيصادف عشرات الصور الشبيهه بهؤلاء , فالإنسان فى التصور الأغريقى هو " سيزيف" و "تنتالوس " و " اوديب " و غيرهما ... و مأساة الإنسان الحقيقية فى نظرهم هى صراعه الأبدى مع القدر المحتوم , ذلك الصراع الذى لا مفر من خوضه , و لا حيلة للإنسحاب منه بالرغم من أن الهزيمة المؤكدة هى نصيب الإنسان فى نهاية تلك المعركة غير متوازنه القوى .
ف"سيزيف" لم يفكر فى التوقف عن عمله , لم يفكر فى أن يرمى الحجر فى وجه " زيوس" معترضا , أو ان يرمى به على رأسه هو فيقتل نفسه يأسا .. و "تنتالوس " لم يفكر فى أن يتوقف عن مد يده للتفاح , و فمه لماء النهر .. أنه لم يتوقف عن "الأمل" حتى لو أنه ليس هناك "أمل"! ... و الإنسان جاء إلى هذه الدنيا دون أن يريد هو ذلك , وولد و إذ له أسما جاهزا .. و أبا و اما و بيتا و وطنا و طبقه , و أنفا طويلة أو قصيرة , و بشرة صفراء أو بيضاء أو سوداء , و رأسا كبيرا أو صغيرا .. و .. و .. و ... ألخ . ثم أنه قد وجد فى نهايه طريقه مسخا عملاقا يترصد به و يتهدده و هو أت له لا محاله , و فاتكا به لا محاله .. أنه الموت الذى ينقض فى أى وقت و بلا تمهيد !
إن أخطر ما يعيه الإنسان فى الوجود من حوله هو وجوده الذاتى و موقف هذا الوجود الضعيف الحرج من العالم المحيط به و من المجهول الذى ينتظره , من حيث أنه مخلوق بغير إرادته , على صوره لم يخترها بل فرضت عليه فرضا .. و هذا الوعى بالوجود الفردى المأسوى هو شرارة الصراع الأبدى مع القدر .. لأن هذا " الوعى " هو الحالة المضاده للجبر القدرى , أنه تعبيرا ساكنا عن " الحرية " و الرغبة فى "الخلق" التى كان "قدر" الإنسان كذلك أن يولد بهما ..و أن ينفرد بهما من دون الكائنات الأخرى . فهم يقولون أن الإنسان حيوان ناطق أو حيوان عاقل او حيوان اخلاقى كما يقول " كانت " او سياسي كما يقول " أرسطو" , و الإنسان حيوان متعال على حيوانيته , حيوان راغبا فى الخلق و الخلق بحرية ..و هو يعبر عن هذه الرغبة الكامنه فى أعماقه بالنطق و الفكر و الأخلاق و السياسة و بغيرها من الوسائل و الطرق , و ما الحضارة الإنسانية فى شتى صورها من إلا إنعكاسا لتلك الرغبة فى الخلق .. إلا محاولة فاشلة أو مقدور لها الفشل فى السيطرة , فى القبض على زمام الكون العظيم المترامى .. فى الخلود الذى لن يبلغه أحد , فى تحدى الفناء المحتوم .. فى التمرد على الوجود "المفروض" بقيوده المؤلمة و قوانينه التى لا تتبدل و على رأسها قانون الموت! ..
و مشكلة "الإنسان" ليست فى محدوديته و فى عجزه أمام القدر ..و لكنها فى وعيه بهذه المحدودية و بهذا العجز , أى أن قضية "الحرية" فى النهاية هى موقف عقلى صرف و ليست وجودا مستقلا عنه و ربما عنى "سارتر" هذا حين قال " لست السيد و لست العبد و لكنى أنا الحرية التى أتمتع بها " و كل ما يمكن أن يفعله الإنسان فى مواجهه أقداره أن يتخذ موقفا عقليا منها , مثل أن يعتنق تفسيرا للموت مثلا, له كل الحرية فى ذلك و لكن حين يصل الأمر إلى حيز الواقع و الوجود الخارجى فإن هذا الموقف العقلى لن يكون له أثرا و لا يشترط أن تسير الأحداث بموجبه أو تسير عكسه و رحم الله "المتنبى " إذا قال:-
ألا أرى الأقدار مدحا و لا ذما *** فما بطشها جهلا و لا كفها حلما.
.إن جسد الإنسان لا يأخذ من حيز الكون إلا ذرة تافهه , بل أصغر من الذرة التافهه ألف مرة .. و لكن " عقله" جوادا راكظا , لا يهدأ و لا يرضى .. يعلو فيهتك الحجب و يخترق السماوات , يلهث خلف المعرفة و التجربة و لا يهاب الخطر , و لو إطلق له العنان فلن يعنيه أن يلقى بذلك الرأس التى تحمله إلى الموت فى سبيل بلوغ مأربه ..لهذا لم يتوقف سيزيف و لم ييأس تنتالوس , و لن ييأس الإنسان من المحاولة رغم أن النتيجه مقدرة سلفا..فالإنسان مخلوق "قلق" يتملكه الصراع المستمر بين طموح فكره المنطلق و بين إمكانته المحدوده و حيزه الضيق . و هذا الوعى المذدوج يربك الإنسان و يوقعه فى التناقض و يشككه فى قيمة ما يقوم به من عمل و لا أعرف لماذا يتملكنى هذا المعنى حين أقرأ ابيات الشاعر الإيطالى "بالازيتشى " :-
من أنا؟
شاعر ؟ ..ربما!
لا ..لأن براعة نفسى ما سطرت يوما و ما تسطر غير كلمة واحة :جنون!
مصور ؟ ..ربما!
لا.. لأن ريشة نفسى ما صبغت و ما تصبغ غير لون واحد :سواد!
لقد نظرت من خلال عدسة قلبى ..
لأعرف من أنا ..
فإذا أنا بهلوان يتأرجح على حبال نفسى!
و ربما كان "أدب اللامعقول " الذى اذدهر فى القرن الماضى أصدق من عبر عن هذا المعنى و كذلك مدارس الفن الحديثة مثل "السريالية " و "الكوبزم" فكلها كانت نتاج هذا الشعور بالإرتباك و القلق , فالبرغم من التقدم الهائل الذى أحرزه الإنسان على الصعيد التكنولوجى إلا أنه مازال شاعرا بضعفه و قله حيلته ووحدته فى هذا العالم . و الذى يزيد من شدة هذا القلق أن على الإنسان دائما أن يختار و أن يشعر بوطئة المسؤولية حين يختار .. و ليس هناك مفر من الإختيار و لا مفر من المسؤلية فحتى حالة عدم الاختيار هى اختيار و التخلى عن المسؤولية موقف على مسؤوليه صاحبه ! بل إن "الاختيار " هو جزء من ذلك القدر الذى نصارعه أو نتوهم أننا نصارعه !
إن حياتنا تشبه مسرحية كبيرة , و نحن كنا ممثليها أما القدر فقد ألفها و أخرجها و أعطى لكل واحد منا دوره , و أوقف كل واحد منا فى مكانه .. ثم كان هو الجالس الوحيد فى صالة العرض و الذى بأمره أيضا يتوقف العرض .. أما قصة المسرحية , فهى عن مجموعه من البشر قرروا أن يمارسوا الحرية ! ..

Sunday, April 1, 2007

من أعلام الموسيقى "1" : فيلكس مندلسون




" فيلكس مندلوسن بارتولدى " المعروف "بفيكلس مندلسون" (3 فبراير 1809 -4 نوفمبر 1847) موسيقار ألماني و قائدا للأوركستر ا فى الحقبة الرومانتيكية المبكرة . ولد لعائلة يهودية ذائعه الصيت , فجده هو " موسى مندلسون " الفيلسوف الألمانى البارز فى القرن الثامن عشر . تضمنت أعماله الموسيقية عددا من السيمفونيات بالإضافه الى "الكونشرتو " و " الأوراتوريو" و أعمال للبيانو و موسيقى الحجرة . تعرض للتجاهل الشديد من النقاد خلال القرن التاسع عشر نتيجة للتغييرات الكبيرة التى طرأت على موسيقى القرن التاسع عشر خاصا فى عصر "فاجنر " و التى إعتبر منلسون من المتأخرين عنها , و لكن إعادة تقييم أعماله فى القرن الماضى و الحيادية التى أتخذها معظم النقاد من أراء القرن التاسع كشفت لنا عن أصالته الإبداعية و كيف أنه و بمنتهى الإنصاف أحد أكبر موسيقى الحقبة الرومانتيكية .

حياته :-

ولد فى "هامبورج" عام 1809 , و الده هو " إبراهام مندلسون " مصرفى ثري و والدته هى "ليا سالومون " من أفراد عائله " إيتزيج " يهودية الأصول و الثرية كذلك , حرصا على ألا يلقيا أولادهما الأربعة " فانى " و "ريبكه " و "فيلكس " و "باول " أى تعليما دينيا يهوديا , بل و قاموا بتعميدهم فى الكنيسة اللوثريه ليكونوا مسيحين بروتستانتين عام 1816 و قرر "ابراهام " أن يضيف اسم "باروتلدى" المسيحى لعائلته و شرح ذلك الأمر فى خطاب لإبنه "فيلكس " قائلا له " لم يعد بالإمكان أن يوجد مسيحيا إسمه "مندلسون" مثلما أنه من غير الممكن أن يكون هناك يهوديا إسمه "كونفوشيوس" . إلا أن "فيلكس " لم يلتفت كثيرا لنصيحه أبيه و ظل يوقع أسمه فى معظم الأحايين بفيلكس مندلسون . فى عام 1812 إنتقلت العائله الى "برلين " و قد حرص الوالدين على إعطاء أولادهما أفضل تعليما ممكنا , فقد صارت "فانى مندلسون " عازفه بيانو شهيره بل و مؤلفة موسيقية بارعة , كان يظن والدها أن موهبتها أصلب عودا من موهبة أبنه "فيلكس " إلا أن مهنة التأليف الموسيقى لم تكن مقبولة للنساء بأى حال من الأحوال فى ذلك العصر و لولا ذلك لكانت "فانى " قد أصبحت مؤلفة هامة بل يؤكد الكثيرين أن بعض أعمالها قد قدمت باسم أخيها "فيلكس" . إعتبر "مندلسون " ثانى أكبر طفلا "معجزة " بعد الموسيقار النمساوى العظيم " فولفجانج آماديوس موتسارت " , فقد بدأ دروس البيانو على يد والدته و هو فى سن السادسة ثم دروس التأليف الموسيقى عام 1817 على يد الموسيقار الألمانى "كارل فريدرتش زيلتر "و يحتمل أن أول أعماله الموسيقية كان رباعى للبيانو و الوتريات قدمه و هو فى سن الثالثة عشر . و فى عام 1821 قدمه أستاذه "زيلتر " لصديقه الشاعر الألمانى العظيم " يوهان فولفجانج جوته " و كانت زيارة تاريخية بالنسبة للصبى الصغير حيث إلتقى بهذا الشيخ المبجل الذى كان مفخرة ألمانيا أن ذاك و قد بقى فى بيته أسبوعان , أعجب خلالهما "جوته" بموهبة "مندلسون" الفريدة و عبقريته المبكرة أشد الإعجاب و قد تبادلا لاحقا و فى السنوات القليلة التى بقى فيها "جوته" حيا عددا من الخطابات , و تكررت زيارات مندلسون لجوته أكثر من مرة و قد أهدى "مندلسون " أولى أعماله الموسيقية –رباعى البيانو و الوتريات – لجوته العظيم . درس "مندلسون" كذلك على يد عازف البيانو و الموسيقار " إيجانز موشليس " الذى إعترف فى مذكراته أنه لم يعلمه الكثير فقد كانت عبقريته أكبر ! و قد صار الإثنين صديقين بعد ذلك على مدى حياة "مندلسون " القصيرة . و بجانب الموسيقى , تلقى "مندلسون " دروسا فى الفلسفة و الفن بجامعة برلين , و كان يجيد الإنجليزية و الإيطالية و اللاتينية بالإضافه الى موهبته الفنية فى الرسم و شغفه بالادب الكلاسيكى خاصا "وليم شيكسبير" .

و خلال فترة مراهقته كانت أعماله الموسيقية تعزف فى منزله الفخم و تحت رعاية والديه الثريين بأوركسترا منزلى خاص , و قد كتب "مندلسون " بين عامه 1821 و 1823إثنى عشر سيمفونية للوتريات ! تم تجاهلهما طوال القرن التاسع عشر , ربما برغبة من "مندلسون" نفسه و لكنه تم الأن تسجيل الإثنى عشر سيمفونية و أصبحت متاحة فى الأسواق الأوروبية و الامريكية و عادتا ما يتم تقديمها بالحفلات . و فى عام 1824 اى و هو فى الخامسة عشر من عمره , ألف أولى سيمفونياته للأوركسترا الكاملة ( فى سلم دو الصغير) ثم ثماني للوتريات فى سلم مى بيمول الكبير عام 1825 و فيه برزت عبقرية "مندلسون" الفريدة بحق فى أحسن حالاتها ثم تبعه بإفتتاحية موسيقية لمسرحية "شيكسبير " الخالده " حلم ليلة صيف " و تعد واحدة من أشهر أعماله ( و قد قام "مندلسون" بعد 16 عشر عاما (1842) بكتابة موسيقى مصاحبه للمسرحية بأكملها , إشتملت على عشرة مقطوعات إضافة إلى الإفتتاحية الإصلية و أشتهر منها " المارش الجنائزى " و "مارش الزفاف " ) و فى عام 1827 قدم الأوبرا الوحيده له Die Hochzeit des Camacho و لاقت فشلا زريعا , حتى أن "مندلسون " لم يكمل مشاهدة عرضها الأول , و ظل طوال حياته متخوفا من خوض مجال الأوبرا مرة ثانية و إن كان قد ترك بعض المخطوطات لمشاريع أوبرات أخرى لم تكتمل مثل " العاصفة" المستمدة من مسرحية لشيكسبير كذلك . و فى الفترة من عام 1826 إلى 1829 إلتحق "مندلسون " بجامعة "برلين" و تلقى محاضرات فى علم الجمال على يد الفليلسوف الألمانى الشهير " هيجل " و أخرى فى التاريخ على يد "إدوارد جانز " و فى الجغرافيه على يد "كارل رايتر" . و فى عام 1829 إرتحل "مندلسون" إلى بريطانيا , حيث كان صديقه "موشيلس " يقيم فى "لندن " فعرفه على الدوائر الموسيقية هناك و قد حقق "مندلسون" فى "لندن" نجاحا باهرا و شعبية كبيرة استمرت حتى الأن , فقد قام هناك بقيادة عزف سيمفونيته الأولى ثم إنتقل إلى "إيدنبرج " و تعرف على الموسيقار الإنجليزى " جون تومسون" ثم قابل الملكة فيكتوريا و زوجها الأمير ألبرت , و قد أعجب كلاهما بمندلسون إعجابا كبيرا , و قد كرر "مندلسون " زيارته إلى بريطانيا عدة مرات , كان يحس فيها أنها بلده الثانى و كم أوحت له زياراته بالعديد من أعماله الموسيقية الهامة مثل إفتتاحية كهف"فينجال"Fingal's cave ( المعروفة كذلك بThe Hebrides) و السيمفونية الإسكتلاندية (رقم 3) و الأوراتوريو الشهير " إلياس " (Elijah) الذى كان عرضه الأول فى "برمنجهام" بمهرجان الموسيقى يوم 26 أغسطس عام 1846. طمح "مندلسون " بعد وفاة أستاذه " زيلتر" فى رئاسة أكاديمية "برلين " الموسيقية و لكن سبقه "كارل روينجاهن " ربما كان ذلك لصغر سن "مندلسون" أو يحتمل أن تكون المعارضة التى قوبل بها ترشيحه نابعا من النفور من أصوله اليهودية و هذا ما رجحه مندلسون نفسه . و لكنه و بالرغم من ذلك عين قائدا لأوركسترا "لايبتسيج" (واحدا من أكبر الفرق الموسيقية فى العالم كله اليوم ) و قد كان هذا المنصب هاما بالنسبة إليه فقد أشعره بالمسؤولية الى تقع على عاتقه فى سبيل إنهاض الموسيقى الألمانية و تطويرها و عوضه ذلك عن إحباطه الذى لاحقه بعد رفض ترشيحه لرئاسة أكاديمية برلين . و قد ساهم "مندلسون " إسهاما عظيما فى الإرتقاء بالحياة الموسيقية فى "لايبتسيج" بل إن كل ما تتمتع به المدينة اليوم من سمعة عظيمة فى المجال الموسيقى يدين بالفضل لمندلسون . فقد أنشأ عام 1843 معهد "لايبتسيج" الموسيقى و أشرف حتى على تنظيم حجراته الدراسية و الشكل المعمارى للمبنى , و استجلب عددا من كبار الأساتذه مثل "إيجانز موشليس" و " أنتون روبنشتين " و " روبرت شومان " الذى جمعته بمندلسون صداقة قوية هو الأخر و الذى تدين شهرته بقسطا كبيرا لمندلسون كذلك حيث قاد له الأوركسترا فى سيمفونياته الأولى و الثانية و قدم له الكثير من الدعم . و قد إشتغل "مندلسون " هو الأخر بالتدريس و عرف عنه صرامته الشديده مع طلابه . و قد ساهم "مندلسون " فى فتره وجوده فى "برلين " ثم من خلال منصبه فى "لابيتسيج " في الحفاظ على تراث أستاذه الروحي " يوهان سبستيان باخ" فقد بذل جهدا كبيرا فى جمع عددا من مخطوطات "باخ" المجهوله بمساعده خالته "ساره ليفى" و أستاذه "زيلتر" و بعض أحفاد باخ ففى عام 1829 قاد فى برلين العرض الاول لأوراتوريو " آلام القديس ماثيو" ليسمعه الناس لاول مرة و بعد سبعين عاما من وفاة "باخ" و قد أكسبه ما بذله من مجهود فى إحياء تراث "باخ " سمعة طيبة فى كل أوروبا . كما أحيا "مندلسون " ذكرى الموسيقار الخالد " شوبرت " حين قاد العزف فى العرض الأول لسيمفونية "شوبرت" التاسعة بلايبتسيج عام 1839 . تزوج "منلسون " من "سيسيل جونارود" عام 1837 و عاشا حياة زوجية هادئة أنجبا خلالها خمسة من الأطفال هما "كارل" و "مارى" و "باول" و "فيلكس" و "ليلى" .

موسيقى مندلسون بين معاصريه :-


كان "مندلسون" و إلى حد كبير محافظا فى أسلوبه الموسيقى , مغايرا لروح عصره , فلم يشبهه أحدهم و قد تأثر بشكل كبير بتراث "باخ" و "هاندل " , و موسيقاه فى رأى الكثيرين إمتدادا موسعا للبناء اللحنى عند باخ و إذا كان الكثيرين من معاصريه ينظرون إلى موسيقاه بنوع من الإستخفاف , فهو كذلك لم يبدى أدنى ارتياح لموسيقي عصره أمثال "برليوز" و "ليست" , كما أنه كان معاديا (كالكثير من الموسيقين الألمان) للمدرسة الموسيقية الفرنسية و اعتبر الأوبرا الفرنسية نوعا من الفن المبتذل و كان يضيق بشكل خاص بالموسيقار اليهودى "ماييربير" حتى أنه عندما أخبره أحدهم أن ملامحه تشبه الى حد كبير ملامح "مايربير" إستشاط غضبا و لم يتردد فى أن يغير تسريحة شعره كى لا يشبه ! و قد تعرضت موسيقى "مندلسون" و طوال القرن التاسع عشر للكثير من الإنتقادات التى رأت فيه موسيقارا إرتداديا , لا ينسجم مع العصر و أشرس نقاده كان الموسيقار الألمانى "ريتشارد فاجنر" الذى نعته بالسطحية و إفتقار الموهبة الأصيله و لاشك أن أصول "مندلسون" اليهودية قد شجعت على توجيه الإنتقادات له دون وجه حق , و ظلت هذه الإنتقادات تلقى التأييد و الحماس حتى بلغت أوجها فى عهد الحكومة النازية التى منعت تقديم أعماله و حرصت على تشويه صورته و محى ذاكرته . أما فى "إنجلترا " فقد ظل "مندلسون " يحظى بمكانة كبيرة لم ينافسه فيها "بيتهوفن" نفسه , فقد وصفته الأديبة الإنجليزية "ساره شيبارد " فى روايتها "تشارلز أوشستر " بأنه ملاك الرب الفارس ! و عندما تم بناء قصر "كريستال بلاس" عالم 1854 أمرت الملكة فيكتوريا بأن يوضع لمندلسون داخل القصر تمثالا من البرونز , و قد كان هذا التمثال هو القطعة الناجية الوحيدة من الحريق المروع الذى نشب بالقصر عام 1936 , و من الجدير بالذكر ان أول حفل زفاف تلعب فيه مقطوعة " مارش الزفاف " لمندلسون التى تضمنتها موسيقى "حلم ليلة صيف " كان زفاف إبنه فيكتوريا على الأمير فردريك أمير بروسيا عام 1858 , و صارت هذه المقطوعة تقليدا فى الكثير من حفلات الزفاف فى كل الدنيا بعد ذلك ( كذلك "كورس العرس" المأخوذ من أوبرا "لوهنجرين" لريتشارد فاجنر مازال يعزف الى اليوم فى كل حفلات الزفاف تقريبا ! ) . و بالرغم من ذلك فحتى فى بريطانيا طارده النقاد , على رأسهم "برنارد شو " (العاشق لفاجنر) بل و كان حب الملكة فيكتوريا له و لفنه أكبر داعيا لإنتقاده ! إلا أن الخمسين عاما الأخيرة شهدت تغييرا كبيرا فى النظرة إلى فن "مندلسون" و تم تقييم أعماله على أسس موضوعية جديدة واستكشاف ما فيها من أصالة إبداعية فريدة و لم يقتصر ذلك على أعماله الأكثر رواجا مثل كونشرتو الكمان فى سلم مى الصغير و السيمفو نية الإيطالية , بل و أيضا أمتدت إلى اورتوريو "إلياس" الذى كان يتهم من قبل برجعيته المتمثله فى طابعه الفيكتورى الرتيب و أعماله لموسيقى الحجرة التى إمتازت بقدرة كبيرة على الخلق الدرامي .أعماله :-
فى أعماله المبكرة تأثر مندلسون إلى حد كبير بأعمال "باخ" و "موتسارت " و "بيتهوفن" و يتضح ذلك التأثر جليا و لكن مع شيئا من السطحية فى الإثنى عشر سيمفونية اللاتى كتبهم للوتريات و هو فى الثالثة عشر من عمره تقريبا . و لم يحدث أن تم عزف إحدى هذه السيمفونيات علنيا فى حياة مندلسون و لم يتم نشرهم إلا بعد وفاته بوقت طويل . و لكن إمكانياته الموسيقية بدأت فى الظهور بداية من ثمانى الوتريات 1825 و إفتتاحية "حلم ليلة صيف"1826( و التى تأثر فيها بشكل كبير بالموسيقار "أدولف برنارد ماركس " ثم رباعى الوتريات فى سلم لا الصغير ( تم إدراجه برقم 2 و لكنه كتب قبل الرباعى المدرج برقم 1 ) . أبرزت هذه الأعمال مدى فهمه الفطري المبكر للتداخل اللحنى و الهارمونية و التلوين الأوركسترالى مما يبرر ما قد يقال من أن نبوغ مندلسون المبكر قد فاق نبوغ موتسارت فى نفس هذه المرحلة العمرية .
السيمفونيات:-
-12 سيمفونية للوتريات - خمسة سيمفونيات للأوركسترا الكاملة , و تم ترقيم سيمفونياته وفقا لتاريخ نشرها و ليس تاريخ تأليفها , فترتيب السيمفونيات الخمسة وفقا لتاريخ تأليفها هو :3,2,4.5,1
السيمفونية الأولى في سلم دوالصغير , إنتهى من كتاباتها عام 1824 عندما كان فى الخامسة عشر من عمره و هى عملا تجريبيا ظهر فيه تأثره بباخ و شوبرت و بيتهوفن , و قد قاد مندلسون بنفسه عزف هذه السيمفونية فى زيارته الأولى للندن مع الأوركسترا الفيلهارمونى الملكى .
السيمفونية الخامسة "التكوين" فى سلم رى الكبير , كتبها "مندلسون" فى الذكرى الثلاثمائة لنشأة الكنيسة اللوثرية البروتستانتية , لم يرضى عنها مندلسون و لم يسمح بعزفها طوال حياته
السيمفونية الثالثه "الإسكتلنديه" فى سلم لا الصغير , بدأ فى كتابتها عام 1830و لم ينهها إلا عام 1842 و فيها يستلهم روح الشعب الإسكتلندى على طريقة الموسيقين الرومانتيكين , و لكنها لا تتضمن أى لحنا شعبيا من التراث الإسكتلندى , نشرها مندلسون عام 1842 كثنائى بيانو ثم قام بتوزيعها على الأوركسترا الكاملة مع مطلع عام 1843
السيمفونية الرابعة " الإيطالية" إستلهم مندلسون ألحانها خلال زيارته لإيطاليا و هى فى سلم لا الكبير و قد قاد مندلسون عزفها لأول مرة عام 1833 و لكنه لم يسمح بإعادة عزفها مرة أخرى طوال حياته رغبة منه فى إعادة كتاباتها , و لكنه مات قبل أن يفعل
السيمفونية الثانية " ترنيمة الشكر " فى سلم سى بيمول الكبير وهى سيمفونية كورالية إنتهى منها عام 1841
'أعمال أخرى للأوركسترا :-'
• إفتتاحية "كهف فنجال " التى ألفها عام 1830 بعد زيارته لكهف فنجال الموجود بأحدى جزر الهيبريدس الإسكتلدنية و قد فرغ من مقدمتها و كتبها فى خطاب أرسله إلى وطنه فى نفس الليلة التى زار فيها الكهف و تعد أول عملا للقالب الموسيقى المعروف "بالإفتتاحية التصويرية" Concert overture و هى مقطوعة موسيقية مستقلة تصاغ عادة فى قالب السوناته لتؤدى فى القاعات الموسيقية و قد كتب من هذا النوع عددا أخر من الإفتتاحيات من بينها " رولى بلاس Ruly Blas " المستوحاه من إحدى مسرحيات الكاتب الفرنسي "فيكتور هوجو " و إفتتاحية "البحر الهادىء و الرحلة البديعة" المستوحاه من إحدى قصائد "جوته " هذا غير إفتتاحية مسرحية "حلم ليلة صيف" .
الأوبرا :- كتب "مندلسون " أوبرا وحيده هى Die Hochzeit Von Camacho إستمدها من "دون كيشوت" قدمت لأول مرة فى برلين عام 1827 و لكنها لاقت فشلا زريعا ,كما ترك بعض الأغنيات و بعض المخطوطات لمشاريع أوبرات لم تتم أحدها مستمد من مسرحية شيكسبير "العاصفه " و أخرى من أسطورة "النيبولنجن" الألمانية قبل أن يستغلها فاجنر بعد ذلك فى ملحمته الخالده "خاتم النيبولنجن"
الكونشرتو:- يعد كونشرتو مندلسون للكمان فى سلم مى الصغير مصنف 64 الذى إنتهى منه عام 1844 واحدا من أشهر الاعمال التى ألفت لهذا القالب المحبب و قد كتبه ليلعبه عازف الكمان الشهير " فرديناند دافيد " ثم كان سببا فى شهرة عدد ا من عازفى الكمان من بينهم "جاشا هيفتز " الذى لعبه و هو طفلا صغيرا فى السابعه من عمره فى صدفة فتحت له أبواب الشهرة . كتب مندلسون أيضا إثنان كونشرتومنفرد للبيانو , كونشرتو مذدوج للبيانو و الكمان و كونشرتو مبكر كتبه أيضا للكمان و لكنه لم يحظى بالشهره .
موسيقى الحجرة :- خصص مندلسون عددا كبيرا من أعماله لموسيقى الحجرة و يرى الكثيرون أن بهذه الأعمال شحنة إنفعالية شديدة لم تظهر فى أعمال مندلسون الاخرى من بينها : • رباعى الوتريات فى سلم فا الصغير مصنف 80 , هو أخر أعماله و قد كتبه و الحزن يلفه بعد وفاة أخته "فانى" التى لطالما أحبها , وإمتاز هذا الرباعى بالقوة وبلاغة التعبير . • خماسيان للوتريات , عددا من السوناتات للكلارينت و التشيلو و الفيولا و الكمان • ثلاثيان للبيانو مع الشيلو و الكمان الأول فى سلم رى الصغير و الثانى فى سلم
الكورال:- • أوراتوريو "القديس بولس الرسول " 1836 و أوراتوريو "إلياس " 1846 و يظهر فيهما تأثره الكبير بباخ و له أيضا أوراتوريو لم يكتمل بعنوان " يسوع المسيح" إشتهرت منه إحدى أغنيات الكورس و هى " سوف يخرج النجم من بيت يعقوب" كما كتب مندلسون عددا من المقطوعات الكورالية الدينية من بينها "لتسمع صلاتى يارب"
'البيانو :-' كتب للبيانو المنفرد 48 قطعة مختلفة الطول بعنوان " أغنيات بلا كلمات " أوحت للكثيرين من الموسيقين بعده فى إنتاج قطعا مماثلة مثل " روبنشتين " و "إدوارد جريج" .
'الأرغن :-


' كان مندلسون يلعب الأرغن منذ طفولته و قد كتب له ستة سوناتات عام 1845 مصنف 65






*******************


قمت بنشر هذا المقال فى موسوعة ويكيبديا العربية , ليكون أول مقالا عن الموسيقار العظيم فى الموسوعة و عسى أن يكون بذرة لمكتبة تؤرخ لعمالقة الموسيقى العالمية بويكيبديا فى اللغة العربية كما هو الحال فى اللغات الأخرى , و قد أعتمدت اساسا على ترجمة المقال الإنجليزى فى ويكيبديا مع الاإستعانة ببعض المراجع الإنجليزيه






Thursday, March 8, 2007

عيشوا فى خطر .. ! " نظرة على أحوالنا "


عيشوا فى خطر !..ابنوا بيوتكم فوق أفواه البراكين,ارسلوا سفنكم إلى البحار المجهولة ..وكونوا مع أنفسكم نابهين و فاتحين إذا لم تستطيعوا أن تكونا مسيطرين و مالكين !عندئذ تشعرون انه قد ولى عنكم ذلك الزمن الذى كنتم فيه تقنعون بالحياة فى الغاب مختبئين كالظباء النافرة الخائفة ".. هكذا كان ينادى فى البشرية الفيلسوف الألمانى فردريك نيتشه(1840-1900),راجيا أن تضع النفوس أجراس اليقظة فوق القلوب..و أن تشتعل حماسة و تحتشد قوة و تفيض شجاعة..أن نطلق العنان للإرادة الباسلة لتشق بحر الحياة المتلاطم بلا فزع و لا جزع فلا تثنيها أعتى الكروب و لا تؤخر جموحها المقدام أقسى و أقصى الخطوب..أن نخوض غبار السنين و نعبر حدود المكان و نهدم قيود الزمان غير مبالين بوعورة طريق أو ظلمة مصير,ولا مكترثين بأصداء الخوف و التردد التى قد ترددها صدورنا علانية او جهارا مستيسرة اليأس ,مشوبة للراحة,مزعزعة اليقين بجدوى الكفاح و قيمة الإنسان..فلا مكان فى عالم السادة للعبيد ..لا مكان لخامل أو كسول أو ضعيف ..لا مكان لروح خضوع أو خنوع أو زيف قناعة و باطل أمل ,لا مكان إلا للأبطال و لا إكتراث إلا لعاطفة السمو الحارة التى يسعرها الشوق و تلهبها الامانى فى صنع الإنسان الجديد,الإنسان الأعلى الذى هو الجدير بالبقاء طالما ملك عزما جبارا يبسط به الكون و يعيده مطويا فى راحتيه!**** لا أعرف لماذا قفزت إلى عقلى تلك الفلسفة العنيفة و التى جاوز عمرها المائة عام كلما تأملت احوال الناس فى بلادنا ..و كيف غاب أو غيب وعيهم السياسى إلى هذا الحد و ساءت أوضاعهم الإجتماعية و هانت عليهم مثلا عليا عديدة كان مجرد لفظها فيما مضى كفيلا بإستثارة النفوس ..هل لأن التراخى و السلبية و الإنهزامية صارت روحا عاما للمجتمعات العربية أو هى المكونات الأساسية لما يسميه علماء الإجتماع "العقل الجمعى"لهذه الأمة؟هل أصبحنا نعيش الحياة بالهروب منها ؟ ..هل أدركنا اليأس التام عن المسير فى ركب الأمم المتحضرة و بالتالى عن مواصلة الحياة الشريفة الكريمة الحرة ؟ ..ألم نجد من بيننا من فر إلى أحضان الغلو الدينى و أغلق نوافذ النور و أعتصم بنفسه فى صمته و ظلامه خشية مستقبل غامض لم يعد ملك يمينه فمال بوجهه و روحه عن الحياة و ظن أنه وجد الطريق الحق ,و الحق أنه صار فى طريق للهروب ..الهروب من حياته و نفسه و عقله ؟!ألم نجد الخرافة تذدهر و تتألق و تعود إلى مسرح حياتنا الاجتمعاية و الدينية و إلى رؤوس علمائنا و شيوخنا و اولى الامر منا تفسر الدنيا من حولنا , فارضة نفسها بقوة على الناس ,و يروح كل صوتا يناوئها سدى ..أليس اللجوء الى الخرافة نوعا من المودة المختلقة بيننا و بين الحياة بعد أن انقطعت أحبال الإتصال الطبيعية التى تربطنا بها من علم و فكر و فن ؟..إن علماء النفس يخبرونا بحقيقة غاية فى العمق فهم يقولون لنا أن حركة التقدم تحدث ضغطا على العقل و تستحثه على أن يلائم بين نفسه و بين الوسط المتجدد و هذه الملائمه تستدعى كبحا من ناحية و طول احتمال لأساليب و افكار لا عهد له بها من ناحية أخرى و عندما تسرع حركة التقدم و يشتد ضغطها يبدأ الذين يشعرون بنقصهم و تخلفهم إزاء ذلك التطور المتتابع فى الإحساس بخطورة موقفهم و يحسدون المتفوقين البارزين فيتولد فى نفوسهم الميل إلى رد فعل لإيقاف ذلك التقدم و إعتراض سيره و العودة إلى أساليب ادنى إلى البساطة و ايسر للفهم و من ثم حين تفوق الحضارة مقدرة الانسان على التكيف معها يصبح خطر العودة إلى الاحوال القديمة و المهجورة ماثلا .و ماذا عن بلادة الشعور و إنطفاء القريحة تلك الأجواء السائد ة بيننا تجاه أوضاعنا و مشاكلنا العديدة فلم يعد ثمة ساكن يتحرك داخلنا حتى لو انطبقت السماء على الأرض و إلا لو كان هناك ما يتحرك داخلنا فلماذا لم نتحرك؟ لماذا نواجهه كل شىء بالصمت و الوجوم أو بعض من مصمصة الشفاه او حتى الشكوى الجوفاء التى لا تسمن و لا تغنى ؟ هل أضفنا إلى أميتنا العقلية المنتعشة أمية اخرى للمشاعر ؟ و كيف الحال بأمة يجتمع لديها أمية العقل و أمية الشعور ؟ انها أمة أهلها بالموتى أشبه و هم بموتهم يأنسوون و عن حياتهم به منشغلون أننا نهرب من الحياة و نحن لا ندرى أو هى التى تنساب من بين أيدينا فالحياة حركة و نحن واقفون ,الحياة أمل و نحن يائسوون ,الحياة عقل و عمل و نحن لا نفكر و لا نعمل ,الحياة عاطفة وثابة قلقة منطلقة تبغض السكينة و نحن لا نشعر و لا نحس و ليس فينا حيل لإنطلاق او عقل لقلق ..!ستقولون تبالغ ..سأقول لكم بل لم تسعفنى البلاغة و ليتنى أصبت و لو نصف الحقيقة !ستقولون غاضب ..و كيف لى أن لا أغضب ؟..بل لابد ان أغضب,وأضرب رأسى غضبا ..و أشعل النار فى الكلمات و أحد أسنة الحروف لو كان فى قلبى ذرة شعور !ستقولون قاسى .. و أقول لكم أن الحياة أقسى ,و أن هؤلاء الذين يغطون فى نعيم النوم الهادىء و الذل الوثير ,سرعان ما سيفزعهم صراخ الحقيقة حين يأكل الجوع بطونهم و يمص الفقر دمائهم و يقتل المرض أولادهم و يطبق عليهم الجهل قبضتة الفتاكة حتى يروح الأخضر و اليابس و تضيق عليهم الأرض بما رحبت آذنة بفنائهم ..فنائنا !***بسقوط المشروع القومى العربى فى أعقاب هزيمة 1967(اتعمد أن أذكر مصطلح "هزيمة "وليس "نكسة"فذاك المصطلح الأخير كان من اختراع الأستاذ هيكل للتخفيف من وقع الكارثة و الإيحاء بأن ما حدث ليس هزيمة و لكن كبوة عابرة )ثم وفاة عبد الناصر عام 1970انسدل الستار على حقبة ملتهبة فى تاريخ هذه الأمة انتفضت فيها المشاعر القومية و تهيأت النفوس لخطة التحديث التى وعد بها عبد الناصر و أكدها تأكيدا تاما حتى جعل منها قضية حتمية لا سبيل للشك فى صحتها و قدرتنا على بلوغها مثلما أنه لا سبيل للشك فى زعامة عبد الناصر المطلقة,فقد ترسبت فى الوعى المصرى صورة أسطورية للزعيم الراحل جعلته فوق الشك,فوق النقد ,فوق الخطأ و لم يستطع العقل المصرى فى غيبوبته النشوانه أن يتبين ما فى الشعارات الناصرية من الزيف إلا حين تحطمت أحلامه أمام صدمة الهزيمة و آن للأسطورة الناصرية أن تنتهى ,فهاهو الزعيم يخرج مكسورا محطما على شاشات التلفزيون يعلن بصوت متهدج تغمره صدمة من صعد إلى قمة جبل ثم سقط غيله من إرتفاعه الشاهق تنحيه و إنسحابه من ميدان الزعامة الذى ملكه وحده مثلما ملك القلوب و الآذان..و كان وراء كلمات خطاب التنحى خطاب أخر,مفهوم و إن كان غير مسموع ,يلخص المحنة المصرية القادمة و يؤذن بتفرق الجموع التى أحتشدت طوال خمسة عشر عاما حول الصرح الناصرى الذى انهار .و كان من المفترض أن يقوم و بسرعة مشروع نهضوى بديل عن المشروع الناصرى المهزوم خاصا بعد أن استعدنا شيئا من كرامتنا المهدورة بعد العبور عام 1973,كان من المفترض أن يقوم مشروع نهضوى جديد يجمع أشتاتنا الضائعة و يضمد جروحنا الغائرة و يهيىء وطنيتنا المفزوعة لإستعادة روحها و سلك طريق جديد ,مشروع ينبنى على صيغ مختلفة غير صيغة الزعامة الفاشستية التى طبقها ناصر فى سلطته المطلقة و جعل من شخصه الفرد ممثلا للأرادة العموم و غير الصيغ الأيدولوجية التى بدت تترنح فى شيخوختها و بدا عجزها عن مواجه المشاكل و الإفصاح عن حلول غير تقليدية (و هذا ما ادركه الرئيس السادات فيما بعد و أتضح فى إخراجه للخبراء الروس من مصر و تقويض علاقاته مع المعسكر الشرقى الشيوعى)و لكن خليفة عبد الناصر إنشغل بتركة مثقلة بالمشاكل سعى جاهدا لإحتواء ما أمكنه إحتواءه منها و تأجيل ما لم تسعفه إمكاناته المحدودة على علاجه و بدا التخبط و التسرع فى القرارات من لوازم سياسات السادات الذى كان الرجل المناسب فى الوقت الغير المناسب و الذى لم تمنعه حكمته الماكرة من السقوط فى مزالق خطيرة فرقت اكثر من ما جمعت و انتهى الأمر بذبول الوعى الوطنى المصرى و إنزواءه مقصيا عن حياتنا فى ظل فراغ أيدولوجى و إنتعاش لتيارات أصولية شديدة التخلف حانقة على الحضارة هاربة من المستقبل أخذت تهاجر بالعقلية المصري إلى الوراء عبر القرون و تنبش فى الماضى السحيق عن أطروحات بالية و أشكال قديمة للهوية و أساليب بدوية للعيش .و إلى يومنا هذا لم تقم قائمة لإحياء هذا المشروع النهضوى المفترض إما لأن السلطة المصرية عاجزة عن وضع حجر الأساس لمثل هذا المشروع و إما لأنها حرصت على إستبعاد ه من مخططاتها رغبة فى إحكام قبضتها و الإبقاء على سطوتها خاصا لأن أهم خطوة على طريق المشروع المفترض هى البنية الديموقراطية السليمة و التعددية الكاملة التى تتيح للأفراد فرص التقدم و إنماء الشخصية و تمنحهم قيمة حقيقية كشركاء فى مسيرة العمل الوطنى و لأن كل سلطة تعمل على الإحتفاظ بمكانها و لأن كل سلطة مفسدة كما يقول "لورد أكتون ".. كان من الطبيعى أن تنهج الحكومة التى تدعى ديموقراطيتها كل السبل لتقويض الديموقراطية الحقة أو على الأقل إبقاء الأوضاع على ما هى عليه بحجة المشاكل الكثيرة أو بحجة أن الوعى السياسى للمواطن المصرى ليس ناضجا بما يكفى .و الذى يجب أن نعرفه أنه لا وجود للبيئة الديموقراطية السليمة فى غياب مؤسسات المجتمع المدنى ,فالدولة الديموقراطية هى دولة المؤسسات المدنية و هذه الأخيرة هى التى توازن بين السلطة الحاكمة و سلطة الأمة و هى التى تشكل أداة للضغط على الحكومات للعمل وفق المصلحة العامة و تحاسبها إذا ما حادت عن الصواب و أضرت بمصالح الشعب و هى تستند فى ذلك على القوانين التى أقرتها الأمة و الدستور القائم بأعتبارهما المرجعية الأساسية لجميع القرارات أى أن الكيان الديموقراطى ليس إلا شكل من أشكال التوازن بين السلطات يقتضى وجود سلطة للمؤسسات المدنية فعالة و قادرة على مناوءة السلطة الحاكمة و إيقافهاعند حدودها إذا ما طمحت فى تجاوزها .و الحكومة المصرية الحالية لم تسع يوما ما إلى تشجيع هذه المؤسسات بل عملت على إغلاق الأبواب أمام من يحاول أن يخلق لنفسه دورا فى صناعة القرار و شنت على الأحزاب المعارضة حربا باردة أفرغتها من الداخل لتصبح جميعها بلا إستثناء هياكل خاوية لا تقدم و لا تؤخر ..و لكن علينا أن لا نقف بالأمرعند هذا الحد و نلقى بالمسألة كلها من الألف إلى الياء على عاتق الحكومة لأنها ما كان لها أن تقدم عن فعل ما فعلته طالما أنها لم تقابل من أحد مقاومة حقيقية و لم تواجه مؤسسات متماسكة لها بنيانها السياسى الواضح المعالم .و حتى لو إنفتح الباب على مصارعيه لهذه المؤسسات كى تلعب دورها المطلوب فلن يؤدى ذلك إلى الديموقراطية فى صورتها التى ننشدها إلا بعد وقت طويل ..إلا بعد أن يعود الوعى الوطنى إلى سابق عهده و ينزه العمل السياسى عن المصالح الشخصية و الطموحات الثانوية بل يصب كله فى سبيل النهضة و التحديث و الإصلاح الأقتصادى و الاجتماعى ثم يتم إرساء كامل لقيم التنوير من عقلانية و حرية و إيمان بالعلم و التقدم و الديمواقراطية و الإصلاح الدينى الذى بدأ مع الشيخ محمد عبده و انتهى الى مأزق خطير حيث سيادة الفكر التكفيرى و الجهادى و كل هذه القيم و إن تحدث بها عشرات المثقفين فى كتبهم طوال قرن من الزمان فأنها لم تحظى بأدنى وجود على أرض الواقع .و لا بد من زوال تلك الثقافة الطفولية التى تحكم العقلية المصرية و تجعل الفرد منزوع الثقة فى نفسه و عقله و فى قدرته على التغيير و المشاركة و تجعل من الحاكم المتصرف فى الأمر كله و المالك لزمامه من أوله لأخره فإن أحسن فذلك خير و بركة و إن أساء فمنه لله و كفى !و هذا الوضع هو ما أشار إليه جون ديوى (1859-1952)و عبر فيه عن مخاوفه على الديموقراطيه حين قال " إن الخطر الذى يتهدد الديموقراطية لا يتمثل فى وجود مجتمعات شمولية بل أنه ما يوجد فى أعماقنا نحن و فى مؤسساتنا نحن من الميل إلى تقبل السلطة و إلى الإنتظام مع الآخريين و الانبهار بالقائد " ..و يقول كاتبنا العظيم توفيق الحكيم(1898-1987)" ما من نظام يكفل الحرية لإنسان يخشى أو يكسل أو يهمل فى إبداء رأيه الحر ".فلا يمكن أن يملك طاغية زمام السلطة فى بلد ما ,يخنق إرادة شعبه و يعمل فيهم الحديد و النار,يكمم الأفواه و يخرص الألسنة و يشل الأيادى ..إلا أذا كانت إرادة هذا الشعب خواء و عزيمته عدم و ألسنته لا تريد الكلام و لا أياديه راغبة فى العمل ..و أى ظلم للنفس أكبرمن ان تتخلى عن كرامتها و تذهد فى حريتها و ترضى المذلة و المهانة و قد خلقها الله عزيزة حرة .."ولقد كرمنا بنى أدم و حملناهام فى البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"..و أى تضيع لحقوق الله أعظم من أن نرى الظلم و نسكت عنه و ينكفأ كل واحد فينا على حاله ,يدور فى فلك نفسه قائلا "يالا نفسى"متنازلا عن حقه فى وطنه و متغاضيا عن حقه على أهل وطنه . إننا لا نستطيع أن نفهم أن نهضة هذا الوطن لن تقوم إلا بسواعد أبنائه و بعقولهم و لن تضاء سماء مجده مرة أخرى إلا على حرارة قلوبهم و عرقهم و لن يكتب له و لنا البقاء الإ أذا جرى حبه فى دمائنا و صارت نهضته أملنا,ومصلحته التى هى مصلحة أولادى و أخوتى صوب عيوننا عالمين بها عاملين لها .أنه مهما كان تسلط الحاكم و مهما بلغ جبروته و بطشت قوته يظل الشعب هو الأقوى و صوته هو الاعلى ..والشعب الذى رغب الحياة لابد أن يستجيب له القدر و لابد أن تتحطم أمام فورة رغبته كل السدود و الحدود..وهذا الحاكم القابع فوق كرسيه أمنا مطمئنا يأمر فيطاع ,يشخط فيلقى الرعب فى الصدور ,يظلم فيلقى الصمت أو التهليل ليس إلها,ولا يحكمنا بصك من الله..و لم يوجد و لن يوجد حاكم يحكم بحق من الله بل نحن الذين أجلسناه على كرسيه إن لم يكن بإرادتنا فبسكوتنا و تخاذلنا..و ما كان له أن يفعل ما يفعل لولا أن من بيننا رقاب تنتشى الإطراق و قلوب خاملة تؤثر السلامة و توطن نفسها على النفاق و المذلة فالباب الذى تأتى منه الريح نسده و نستريح و الشر نبعد عنه ثم نغنى له

Tuesday, February 27, 2007

حتى لا تحرق السينمات


ما المشكلة فى إنتاج فيلما عن الأستاذ " حسن البنا " ؟... إن الدور الذى لعبه الرجل فى تاريخ مصر السياسي و الإجتماعى دورا جبارا , ليس فى تاريخنا كثير من الزعماء الذين كان لهم مثل هذا الدور , بل ربما تجاوز دوره الحدود المحلية و أثر تأثيرا خطيرا على بقيه العالم الإسلامى , فجماعة الاخوان المسلمين التى كان إنطلاقها ثمرة كفاح الأستاذ البنا هى أكبر جماعة دينية فى القرن العشرين , و هى على المستوى المحلي قد صارت المالكة لأوراق اللعبة السياسية فى مصراليوم, و القادرة على استحواذ مراكز القرار الواحد تلو الأخر فى الأيام القادمة
ثم أنه لا يوجد زعيم توافرت فى سيرته العناصر الدرامية مثلما توافرت فى سيرة الشيخ الراحل , فقد كانت حياته خضم من التحديات التى لا تنقطع و لم تنقطع إلى يوم مقتله .. ذلك الحادث الرهيب الذى سيظل اكبر لغزا فى حياته و أشهر الجرائم التى عرفها الشارع السياسىالمصري
صانعوه الفيلم يقولون أنهم يريدون أن ينتجوا عملا ضخما عن حياته , و من وجهة نظر تتعارض أو تغاير وجهة النظر التى يتبناها أفراد الجماعة , فالجماعة تصور "حسن البنا" تصويرا أسطوريا , و تحيط شخصيته بهالات التقديس حتى كادت ان ترفعه عن مقام البشر أو تجعله أحد " أولياء الله الصالحين" على حد تعبير الأستاذ سيف الإسلام نجل الشيخ الشهيد
و الجماعة ترى أن "حسن البنا" رجل غير عادي , أو رجل حسناته بلغت عنان السماء و أخطاءه هفوات لا يصح ان تذكر و هى لا ترتاح فى أن تترك شيخها عرضة للأقلام تعبث به كما تشاء و تسىء الى الصورة المثاليه التى تعمل الجماعة على تأكيها و تجميلها منذ خمسين عاما و يزيد
و القانون لا يمنح أسرة الشيخ أى حق فى الاعتراض على الفيلم , فقد مضي على رحيل حسن البنا أكثر من خمسين عاما و صار فى ذمة التاريخ ,ملكا لإبناء وطنه و ليس ملكا لأسرته .. ثم أن الفيلم فى النهاية لا يحتكر حسن البنا و إنما فقط يصور رؤية مبدعوه لتلك الشخصية التاريخية المميزة و إستنادا على مصادر أخرى غير تلك التى يعتمد عليها الإخوان المسلمين فى التآريخ لزعيمهم .. و شخصية "حسن البنا " من الشخصيات التى ثار حولها الجدال و لايزال ثائرا , و لا يصح أن يدعي أحدا انه يملك الحق المطلق و الكلمة الاخيرة و يحسم هذا الجدال بين يوم و ليلة .. و "حسن البنا " الذي يراه الإخوان و يكتبون عنه فى أدبياتهم ليس هو "حسن البنا" الوحيد .. لأن هناك من يراه من زاوية اخرى و فى إطار مختلف , و الشعب كله ليس من الإخوان المسلمين !
و إذا ارادت الجماعة ان تقدم هى الأخرى فيلما عن حياة الشيخ الشهيد , و مادام السيناريو جاهزا منذ سنوات فعلى بركة الله ! .. مع العلم أن ذلك لا يمنع الأخريين من التعبير عن رؤيتهم من خلال فيلما آخر
و فى رأيى أن هذا الفيلم للأسف الشديد لن يرى النور , فالمخاطرة كبيرة جدا ..
و الإخوان لن يكتفوا بأن يضعوا صانعوا الفيلم فى نار جهنم و لكنهم قد يحرقون السينمات أيضا!!

Monday, February 26, 2007

ضرورة الفلسـفة

" إن علينا أن نتفلسف إن كان ثمة ما يدعو إلى التفلسف فإذا لم تكن هناك حاجة إلى التفلسف وجب علينا أن
نتفلسف أيضا بنثبت أن التفلسف لا ضرورة له " ... ( المعلم الأول أرسطو384-322 ق.م)
***
" إن قصد الفلاسفة إنما هو معرفة الحق, و لو لم يكن لهم إلا هذا القصد لكان ذلك كافيا فى مدحهم " ( أبو الوليد إبن رشد1126-1198م) ..
***
" ليست هناك علامة أقوى دلالة على حقارة عقل من العقول و غبائه الأصيل من احتقاره الفلسفة , مهما كان من قوة هذا العقل فى ميادين النشاط العملى , و لقد يكون شخص ما قادرا أعظم القدرة فى الرياضيات أو فى الهندسة أو فى الأساليب البرلمانية أو فى السبق فى إخراج الكتب و لكن هذا الشخص إذا تفكر فى هذا الكون مدى حياته و لم يسأل نفسه : ماذا يعنى ذلك كله, فإنه أحدأولئك الذين وضعهم "كلفن"حين قسم الناس فى فصيلة من كتب عليهم الشقاء الأبدى!" ( جورج برنناندشو 1856-1950)
***
مثلما أننا فى تراثنا الشعبى نرفع عن كاهلنا كل مسؤولية حين نقول أن الباب الذى يأتى منه الريح يجب ان نسده و نستريح و أن الشر علينا أن نبعد عنه ثم نغنى له , فإننا كذلك لا نحمل عقولنا أدنى تكليف , و نستعيذ فى الصباح و المساء من سوء حال من يشغل البال مؤمنين بالقول القائل " الى يفكر يتعكر "!
و عندنا عبارة يحفظها فينا الكبير و الصغير و الجاهل و العالم , و لا نشبع من ترديدها فى الحق و الباطل و فى الجد و الهزل , إنها عبارة "بلاش فلسفة"! ..
و أمة مثلنا , تردى بها الحال لتقبع فى الذيل , سليبة الحضارة,خافضة رأسها , مادة أيديها للأمم الراقية من حولها "إعطونى خبزا , إعطونى علما , إعطونى خبرة , إعطونى فنا , إعطونى .. إعطونى ... " دون أن تعطى هى شيئا .. فلم يعد لديها شيئا . أقول أن أمة كهذه لابد و أن يكون إعمال العقل و تدبير الفكر فيها ترفا أو لهوا .. لابد و أن تنبذ عقلائها فهم فى تصورها دعاة هرج و مرج , و قلق و أرق , يريدون أن ينزلوا النوم عن سلطانه , يدخلوا النور و يشعلوا النار فى المضاجع الأمنة المطمئنة !
صحيح أن لهذه الأمة نفسها ماض عريق و تراث زاخر و حضارة مطمورة , عاشت بها و على هداها و فوق خطاها أمم عديدة .. صحيح أننا خضنا فى الفكر و العلم بحورا , و بنينا به و له صروحا و قصورا , و ملأنا الأرض فى أزمنة الغروب نورا .. و لكننا اليوم قرن أخرون , قنعنا أنه ( ليس فى الإمكان خير مما كان) و صار ماضينا نصوصا تحفظها الكتب , نفتحها و نتلو عليها صلوات الحسرة , و نرقى أنفسنا من عين الغرب ذلك(المتآمر الاذلى) الذى يتربصنا !
و إذا كنا نريد اليوم أن نفتح صفحة أخرى , أن ننهض بعد طول رقاد .. فالسبيل لذلك لن يبدأ إلا بأن نغير موقفنا من التفكير و أدواته و أن نعيد للعقل فى حياتنا مكانته المسلوبة و التى احترمها الإسلام العظيم و كفلها قرآن السماء , فالتفكير كما يقول الأستاذ العقاد" فريضة إسلامية". و التفكير ملكة لا يستقيم دين المؤمن إلا بها و لا يصح أن يعجبنا إيمان رجل قبل أن نسأل عن عقله .
إننا فى حاجة لمراجعة طرائقنا فى التفكير ..و كيف أننا أهملنا تربية العقل الناقد و أعتمدنا على النقل الأعمى و ثقافة القمع بدلا من الحوار البناء و المناقشة و استنفذنا الطاقات فى أساليب التلقين البائته التى لا تقدم و لا تؤخر فكانت النتيجة أن نصاب بعقم شبه كامل فى كل الأنشطة الإبداعية و نتوقف عن إنتاج حضارة تخصنا بينما هبت الأمم كلها من حولنا تتصارع على النهوض و تتسابق فى الرقي .
و الفلسفة , بما تتيحه من مناخ للتفكير الحر و ثراء فى الطرائق و مناهج البحث هى خير مربى لهذا العقل الناقد الحصيف , القادر على إستيعاب مشاكل المجتمع من حوله إستيعابا إيجابيا يؤدى به فى النهاية إلى إنتاج طاقة إبداعية حية تضيف و تخلق الجديد فى مختلف الأنشطة . والأصوات التى تناصب الفكر الفلسفى العداء و تحجر على العقل الإنسانى الذى هو أغلى نعم الله إلينا , و تقف أمام كل محاولة لمراجعة الأفكار الراسخة أو فحصها فى ضوء معارفنا الجديدة لا يمكن أن تصلح للبقاء فى عالمنا اليوم .. هذا العالم الذى يأتى كل لحظة بجديد . لا يمكن أن تصمد باقيه بعدما إتضح عجزها و تهافتها , فنحن سرنا ورائها مئات السنين و قلنا مع القائلين " من تمنطق فقد تزندق " و أغلقنا النوافذ و الأبواب و أرخنا الغشاوة فوق الأبصار فما كان بنا إلا أن نهوى إلى الحضيض و نشرف على الهلاك ..
إن الفكر الفلسفى لا تنضب منابعه و لا تجف روافده و هو قادر دائما على العطاء , باق ما بقى الإنسان وما بقى فى الإنسان عقل يفكر .و هو ليس ترف عقلى بل هو ضرورة للأمم المتخلفة قبل الأمم المتقدمة , بل يمكننا القول و -لا نبالغ - إن الامم المتخلفة , متخلفة لأنها تحتقر الفكر الحر..تحتقر الفلسفة و الأمم المتقدمة متقدمة لأنها تعطى للفلسفة مكانتها فكلما قل نصيب المرء من الذكاء كلما بدا له الوجود أقل غموضا , و كلما بدا التفكير الناقد الذى تمثله الفلسفة خير تمثيل لا حاجة له و لا ضرورة .