Thursday, March 8, 2007

عيشوا فى خطر .. ! " نظرة على أحوالنا "


عيشوا فى خطر !..ابنوا بيوتكم فوق أفواه البراكين,ارسلوا سفنكم إلى البحار المجهولة ..وكونوا مع أنفسكم نابهين و فاتحين إذا لم تستطيعوا أن تكونا مسيطرين و مالكين !عندئذ تشعرون انه قد ولى عنكم ذلك الزمن الذى كنتم فيه تقنعون بالحياة فى الغاب مختبئين كالظباء النافرة الخائفة ".. هكذا كان ينادى فى البشرية الفيلسوف الألمانى فردريك نيتشه(1840-1900),راجيا أن تضع النفوس أجراس اليقظة فوق القلوب..و أن تشتعل حماسة و تحتشد قوة و تفيض شجاعة..أن نطلق العنان للإرادة الباسلة لتشق بحر الحياة المتلاطم بلا فزع و لا جزع فلا تثنيها أعتى الكروب و لا تؤخر جموحها المقدام أقسى و أقصى الخطوب..أن نخوض غبار السنين و نعبر حدود المكان و نهدم قيود الزمان غير مبالين بوعورة طريق أو ظلمة مصير,ولا مكترثين بأصداء الخوف و التردد التى قد ترددها صدورنا علانية او جهارا مستيسرة اليأس ,مشوبة للراحة,مزعزعة اليقين بجدوى الكفاح و قيمة الإنسان..فلا مكان فى عالم السادة للعبيد ..لا مكان لخامل أو كسول أو ضعيف ..لا مكان لروح خضوع أو خنوع أو زيف قناعة و باطل أمل ,لا مكان إلا للأبطال و لا إكتراث إلا لعاطفة السمو الحارة التى يسعرها الشوق و تلهبها الامانى فى صنع الإنسان الجديد,الإنسان الأعلى الذى هو الجدير بالبقاء طالما ملك عزما جبارا يبسط به الكون و يعيده مطويا فى راحتيه!**** لا أعرف لماذا قفزت إلى عقلى تلك الفلسفة العنيفة و التى جاوز عمرها المائة عام كلما تأملت احوال الناس فى بلادنا ..و كيف غاب أو غيب وعيهم السياسى إلى هذا الحد و ساءت أوضاعهم الإجتماعية و هانت عليهم مثلا عليا عديدة كان مجرد لفظها فيما مضى كفيلا بإستثارة النفوس ..هل لأن التراخى و السلبية و الإنهزامية صارت روحا عاما للمجتمعات العربية أو هى المكونات الأساسية لما يسميه علماء الإجتماع "العقل الجمعى"لهذه الأمة؟هل أصبحنا نعيش الحياة بالهروب منها ؟ ..هل أدركنا اليأس التام عن المسير فى ركب الأمم المتحضرة و بالتالى عن مواصلة الحياة الشريفة الكريمة الحرة ؟ ..ألم نجد من بيننا من فر إلى أحضان الغلو الدينى و أغلق نوافذ النور و أعتصم بنفسه فى صمته و ظلامه خشية مستقبل غامض لم يعد ملك يمينه فمال بوجهه و روحه عن الحياة و ظن أنه وجد الطريق الحق ,و الحق أنه صار فى طريق للهروب ..الهروب من حياته و نفسه و عقله ؟!ألم نجد الخرافة تذدهر و تتألق و تعود إلى مسرح حياتنا الاجتمعاية و الدينية و إلى رؤوس علمائنا و شيوخنا و اولى الامر منا تفسر الدنيا من حولنا , فارضة نفسها بقوة على الناس ,و يروح كل صوتا يناوئها سدى ..أليس اللجوء الى الخرافة نوعا من المودة المختلقة بيننا و بين الحياة بعد أن انقطعت أحبال الإتصال الطبيعية التى تربطنا بها من علم و فكر و فن ؟..إن علماء النفس يخبرونا بحقيقة غاية فى العمق فهم يقولون لنا أن حركة التقدم تحدث ضغطا على العقل و تستحثه على أن يلائم بين نفسه و بين الوسط المتجدد و هذه الملائمه تستدعى كبحا من ناحية و طول احتمال لأساليب و افكار لا عهد له بها من ناحية أخرى و عندما تسرع حركة التقدم و يشتد ضغطها يبدأ الذين يشعرون بنقصهم و تخلفهم إزاء ذلك التطور المتتابع فى الإحساس بخطورة موقفهم و يحسدون المتفوقين البارزين فيتولد فى نفوسهم الميل إلى رد فعل لإيقاف ذلك التقدم و إعتراض سيره و العودة إلى أساليب ادنى إلى البساطة و ايسر للفهم و من ثم حين تفوق الحضارة مقدرة الانسان على التكيف معها يصبح خطر العودة إلى الاحوال القديمة و المهجورة ماثلا .و ماذا عن بلادة الشعور و إنطفاء القريحة تلك الأجواء السائد ة بيننا تجاه أوضاعنا و مشاكلنا العديدة فلم يعد ثمة ساكن يتحرك داخلنا حتى لو انطبقت السماء على الأرض و إلا لو كان هناك ما يتحرك داخلنا فلماذا لم نتحرك؟ لماذا نواجهه كل شىء بالصمت و الوجوم أو بعض من مصمصة الشفاه او حتى الشكوى الجوفاء التى لا تسمن و لا تغنى ؟ هل أضفنا إلى أميتنا العقلية المنتعشة أمية اخرى للمشاعر ؟ و كيف الحال بأمة يجتمع لديها أمية العقل و أمية الشعور ؟ انها أمة أهلها بالموتى أشبه و هم بموتهم يأنسوون و عن حياتهم به منشغلون أننا نهرب من الحياة و نحن لا ندرى أو هى التى تنساب من بين أيدينا فالحياة حركة و نحن واقفون ,الحياة أمل و نحن يائسوون ,الحياة عقل و عمل و نحن لا نفكر و لا نعمل ,الحياة عاطفة وثابة قلقة منطلقة تبغض السكينة و نحن لا نشعر و لا نحس و ليس فينا حيل لإنطلاق او عقل لقلق ..!ستقولون تبالغ ..سأقول لكم بل لم تسعفنى البلاغة و ليتنى أصبت و لو نصف الحقيقة !ستقولون غاضب ..و كيف لى أن لا أغضب ؟..بل لابد ان أغضب,وأضرب رأسى غضبا ..و أشعل النار فى الكلمات و أحد أسنة الحروف لو كان فى قلبى ذرة شعور !ستقولون قاسى .. و أقول لكم أن الحياة أقسى ,و أن هؤلاء الذين يغطون فى نعيم النوم الهادىء و الذل الوثير ,سرعان ما سيفزعهم صراخ الحقيقة حين يأكل الجوع بطونهم و يمص الفقر دمائهم و يقتل المرض أولادهم و يطبق عليهم الجهل قبضتة الفتاكة حتى يروح الأخضر و اليابس و تضيق عليهم الأرض بما رحبت آذنة بفنائهم ..فنائنا !***بسقوط المشروع القومى العربى فى أعقاب هزيمة 1967(اتعمد أن أذكر مصطلح "هزيمة "وليس "نكسة"فذاك المصطلح الأخير كان من اختراع الأستاذ هيكل للتخفيف من وقع الكارثة و الإيحاء بأن ما حدث ليس هزيمة و لكن كبوة عابرة )ثم وفاة عبد الناصر عام 1970انسدل الستار على حقبة ملتهبة فى تاريخ هذه الأمة انتفضت فيها المشاعر القومية و تهيأت النفوس لخطة التحديث التى وعد بها عبد الناصر و أكدها تأكيدا تاما حتى جعل منها قضية حتمية لا سبيل للشك فى صحتها و قدرتنا على بلوغها مثلما أنه لا سبيل للشك فى زعامة عبد الناصر المطلقة,فقد ترسبت فى الوعى المصرى صورة أسطورية للزعيم الراحل جعلته فوق الشك,فوق النقد ,فوق الخطأ و لم يستطع العقل المصرى فى غيبوبته النشوانه أن يتبين ما فى الشعارات الناصرية من الزيف إلا حين تحطمت أحلامه أمام صدمة الهزيمة و آن للأسطورة الناصرية أن تنتهى ,فهاهو الزعيم يخرج مكسورا محطما على شاشات التلفزيون يعلن بصوت متهدج تغمره صدمة من صعد إلى قمة جبل ثم سقط غيله من إرتفاعه الشاهق تنحيه و إنسحابه من ميدان الزعامة الذى ملكه وحده مثلما ملك القلوب و الآذان..و كان وراء كلمات خطاب التنحى خطاب أخر,مفهوم و إن كان غير مسموع ,يلخص المحنة المصرية القادمة و يؤذن بتفرق الجموع التى أحتشدت طوال خمسة عشر عاما حول الصرح الناصرى الذى انهار .و كان من المفترض أن يقوم و بسرعة مشروع نهضوى بديل عن المشروع الناصرى المهزوم خاصا بعد أن استعدنا شيئا من كرامتنا المهدورة بعد العبور عام 1973,كان من المفترض أن يقوم مشروع نهضوى جديد يجمع أشتاتنا الضائعة و يضمد جروحنا الغائرة و يهيىء وطنيتنا المفزوعة لإستعادة روحها و سلك طريق جديد ,مشروع ينبنى على صيغ مختلفة غير صيغة الزعامة الفاشستية التى طبقها ناصر فى سلطته المطلقة و جعل من شخصه الفرد ممثلا للأرادة العموم و غير الصيغ الأيدولوجية التى بدت تترنح فى شيخوختها و بدا عجزها عن مواجه المشاكل و الإفصاح عن حلول غير تقليدية (و هذا ما ادركه الرئيس السادات فيما بعد و أتضح فى إخراجه للخبراء الروس من مصر و تقويض علاقاته مع المعسكر الشرقى الشيوعى)و لكن خليفة عبد الناصر إنشغل بتركة مثقلة بالمشاكل سعى جاهدا لإحتواء ما أمكنه إحتواءه منها و تأجيل ما لم تسعفه إمكاناته المحدودة على علاجه و بدا التخبط و التسرع فى القرارات من لوازم سياسات السادات الذى كان الرجل المناسب فى الوقت الغير المناسب و الذى لم تمنعه حكمته الماكرة من السقوط فى مزالق خطيرة فرقت اكثر من ما جمعت و انتهى الأمر بذبول الوعى الوطنى المصرى و إنزواءه مقصيا عن حياتنا فى ظل فراغ أيدولوجى و إنتعاش لتيارات أصولية شديدة التخلف حانقة على الحضارة هاربة من المستقبل أخذت تهاجر بالعقلية المصري إلى الوراء عبر القرون و تنبش فى الماضى السحيق عن أطروحات بالية و أشكال قديمة للهوية و أساليب بدوية للعيش .و إلى يومنا هذا لم تقم قائمة لإحياء هذا المشروع النهضوى المفترض إما لأن السلطة المصرية عاجزة عن وضع حجر الأساس لمثل هذا المشروع و إما لأنها حرصت على إستبعاد ه من مخططاتها رغبة فى إحكام قبضتها و الإبقاء على سطوتها خاصا لأن أهم خطوة على طريق المشروع المفترض هى البنية الديموقراطية السليمة و التعددية الكاملة التى تتيح للأفراد فرص التقدم و إنماء الشخصية و تمنحهم قيمة حقيقية كشركاء فى مسيرة العمل الوطنى و لأن كل سلطة تعمل على الإحتفاظ بمكانها و لأن كل سلطة مفسدة كما يقول "لورد أكتون ".. كان من الطبيعى أن تنهج الحكومة التى تدعى ديموقراطيتها كل السبل لتقويض الديموقراطية الحقة أو على الأقل إبقاء الأوضاع على ما هى عليه بحجة المشاكل الكثيرة أو بحجة أن الوعى السياسى للمواطن المصرى ليس ناضجا بما يكفى .و الذى يجب أن نعرفه أنه لا وجود للبيئة الديموقراطية السليمة فى غياب مؤسسات المجتمع المدنى ,فالدولة الديموقراطية هى دولة المؤسسات المدنية و هذه الأخيرة هى التى توازن بين السلطة الحاكمة و سلطة الأمة و هى التى تشكل أداة للضغط على الحكومات للعمل وفق المصلحة العامة و تحاسبها إذا ما حادت عن الصواب و أضرت بمصالح الشعب و هى تستند فى ذلك على القوانين التى أقرتها الأمة و الدستور القائم بأعتبارهما المرجعية الأساسية لجميع القرارات أى أن الكيان الديموقراطى ليس إلا شكل من أشكال التوازن بين السلطات يقتضى وجود سلطة للمؤسسات المدنية فعالة و قادرة على مناوءة السلطة الحاكمة و إيقافهاعند حدودها إذا ما طمحت فى تجاوزها .و الحكومة المصرية الحالية لم تسع يوما ما إلى تشجيع هذه المؤسسات بل عملت على إغلاق الأبواب أمام من يحاول أن يخلق لنفسه دورا فى صناعة القرار و شنت على الأحزاب المعارضة حربا باردة أفرغتها من الداخل لتصبح جميعها بلا إستثناء هياكل خاوية لا تقدم و لا تؤخر ..و لكن علينا أن لا نقف بالأمرعند هذا الحد و نلقى بالمسألة كلها من الألف إلى الياء على عاتق الحكومة لأنها ما كان لها أن تقدم عن فعل ما فعلته طالما أنها لم تقابل من أحد مقاومة حقيقية و لم تواجه مؤسسات متماسكة لها بنيانها السياسى الواضح المعالم .و حتى لو إنفتح الباب على مصارعيه لهذه المؤسسات كى تلعب دورها المطلوب فلن يؤدى ذلك إلى الديموقراطية فى صورتها التى ننشدها إلا بعد وقت طويل ..إلا بعد أن يعود الوعى الوطنى إلى سابق عهده و ينزه العمل السياسى عن المصالح الشخصية و الطموحات الثانوية بل يصب كله فى سبيل النهضة و التحديث و الإصلاح الأقتصادى و الاجتماعى ثم يتم إرساء كامل لقيم التنوير من عقلانية و حرية و إيمان بالعلم و التقدم و الديمواقراطية و الإصلاح الدينى الذى بدأ مع الشيخ محمد عبده و انتهى الى مأزق خطير حيث سيادة الفكر التكفيرى و الجهادى و كل هذه القيم و إن تحدث بها عشرات المثقفين فى كتبهم طوال قرن من الزمان فأنها لم تحظى بأدنى وجود على أرض الواقع .و لا بد من زوال تلك الثقافة الطفولية التى تحكم العقلية المصرية و تجعل الفرد منزوع الثقة فى نفسه و عقله و فى قدرته على التغيير و المشاركة و تجعل من الحاكم المتصرف فى الأمر كله و المالك لزمامه من أوله لأخره فإن أحسن فذلك خير و بركة و إن أساء فمنه لله و كفى !و هذا الوضع هو ما أشار إليه جون ديوى (1859-1952)و عبر فيه عن مخاوفه على الديموقراطيه حين قال " إن الخطر الذى يتهدد الديموقراطية لا يتمثل فى وجود مجتمعات شمولية بل أنه ما يوجد فى أعماقنا نحن و فى مؤسساتنا نحن من الميل إلى تقبل السلطة و إلى الإنتظام مع الآخريين و الانبهار بالقائد " ..و يقول كاتبنا العظيم توفيق الحكيم(1898-1987)" ما من نظام يكفل الحرية لإنسان يخشى أو يكسل أو يهمل فى إبداء رأيه الحر ".فلا يمكن أن يملك طاغية زمام السلطة فى بلد ما ,يخنق إرادة شعبه و يعمل فيهم الحديد و النار,يكمم الأفواه و يخرص الألسنة و يشل الأيادى ..إلا أذا كانت إرادة هذا الشعب خواء و عزيمته عدم و ألسنته لا تريد الكلام و لا أياديه راغبة فى العمل ..و أى ظلم للنفس أكبرمن ان تتخلى عن كرامتها و تذهد فى حريتها و ترضى المذلة و المهانة و قد خلقها الله عزيزة حرة .."ولقد كرمنا بنى أدم و حملناهام فى البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"..و أى تضيع لحقوق الله أعظم من أن نرى الظلم و نسكت عنه و ينكفأ كل واحد فينا على حاله ,يدور فى فلك نفسه قائلا "يالا نفسى"متنازلا عن حقه فى وطنه و متغاضيا عن حقه على أهل وطنه . إننا لا نستطيع أن نفهم أن نهضة هذا الوطن لن تقوم إلا بسواعد أبنائه و بعقولهم و لن تضاء سماء مجده مرة أخرى إلا على حرارة قلوبهم و عرقهم و لن يكتب له و لنا البقاء الإ أذا جرى حبه فى دمائنا و صارت نهضته أملنا,ومصلحته التى هى مصلحة أولادى و أخوتى صوب عيوننا عالمين بها عاملين لها .أنه مهما كان تسلط الحاكم و مهما بلغ جبروته و بطشت قوته يظل الشعب هو الأقوى و صوته هو الاعلى ..والشعب الذى رغب الحياة لابد أن يستجيب له القدر و لابد أن تتحطم أمام فورة رغبته كل السدود و الحدود..وهذا الحاكم القابع فوق كرسيه أمنا مطمئنا يأمر فيطاع ,يشخط فيلقى الرعب فى الصدور ,يظلم فيلقى الصمت أو التهليل ليس إلها,ولا يحكمنا بصك من الله..و لم يوجد و لن يوجد حاكم يحكم بحق من الله بل نحن الذين أجلسناه على كرسيه إن لم يكن بإرادتنا فبسكوتنا و تخاذلنا..و ما كان له أن يفعل ما يفعل لولا أن من بيننا رقاب تنتشى الإطراق و قلوب خاملة تؤثر السلامة و توطن نفسها على النفاق و المذلة فالباب الذى تأتى منه الريح نسده و نستريح و الشر نبعد عنه ثم نغنى له

No comments: